مفهوم العزلة
وأوضح د. سعد البازعي أن أي قضية أو خطاب يمكن أن يكون ثقافيا، بقدر ما يتماس مع الإشكاليات والهموم والقضايا الثقافية العامة المطروحة، بمعنى أن اقتراب أي ظاهرة من الفكر أو الأدب والفنون يحولها إلى قضية ثقافية.
مشيرا إلى أن هناك مفاهيم لا تنطبق على الواقع الذي نعيشه، فمفهوم «العزلة» من المفاهيم التي بحاجة إلى مراجعة، فنحن لسنا في عزلة بالمعنى الدقيق، بدليل التواصل الاجتماعي والافتراضي، كما أن من إيجابيات الوضع الذي نعيش فيه أنه يضطرنا لإعادة النظر في اللغة التي نوظفها، والمفاهيم والمصطلحات المتداولة، ومنها مفهوم العزلة، كما أن هناك علاقة إبداعية بين العزلة والثقافة أفرزت العديد من الأعمال والتفاعلات.
الثقافة والوباء
كما حلل د. سعد السريحي مفهومي الثقافة والوباء الذي يعيشه العالم، فمن ناحية مفهوم الثقافة يجب أن نقف على التغير الذي طرأ عليه، فهو لم يعد قاصرا على الفنون السبعة التي جرى العرف على أخذ مفهوم الثقافة عليها، فالثقافة أصبحت كل ما يعني الإنسان وكل ما يهتم به، ويشكل نسق حياته، كما أن مواقع التواصل غيرت مفهوم المثقف، حيث أصبح الكل مشاركا في إنتاج الثقافة سواء كان مدركا لما يصنع أو غير مدرك، لذا اتسع مفهوم الثقافة وانفرط مفهوم المثقف، وأصبح ما ينتج ليس وقفا على المختصين، وإنما هو عام لدى من يهتم، والاهتمام في مثل هذا الوباء عام.
وتابع: أما ما يتصل بوباء كورونا، فقد أصبحت كورونا مرتكزا لتقاطع جملة من الخطابات المتداخلة والمتظاهرة والمتعارضة، ويجمع ما بينها «اللا يقين» حيث تقاطع مع المفهوم الشامل للثقافة والمفهوم الشعبوي للمثقف، بمعنى أننا أصبحنا أمام نوع من «اللا يقين»، فلا أحد يعرف أين سنمضي ومتى سينتهي الوباء، ولا أحد يعرف ما الذي سيترتب على ما نحن فيه.
منتج ثقافي
وقال طارق خواجي إنه عندما بدأت الجائحة بدأ معها خطاب ثقافي يبحث بشكل أساسي حول مفهوم العزلة، ومحاولة تحويل العزل الصحي إلى عزلة ثقافية معينة، واستضافة كتاب وشعراء ومحاولة قراءة أفكارهم حول الموضوع، وأضاف: باعتقادي أن ما يحدد مفهوم العزلة هو ما ينتج عنها، بمعنى أنه إذا ظللنا نتحدث حول العزلة دون نتاج ثقافي فهذا نقاش لا فائدة منه، خاصة إذا لم يكن هناك منتج ثقافي ينظر إليه، لذلك فإن منطقة الإنتاج مرتبطة بكل من يتعرض لهذه الأزمة، ومن المدهش ما شهدناه من منتجات ثقافية من دول غربية خرجت فيها من منطقة الحديث الدائم عن موضوع العزلة الثقافية، وأصبح هناك منتج يمكن الحديث عنه، يأتي تقييمه لاحقا كقيمة، ولكن الخروج من التنظير هو المنطقة الأساسية لتقييم حالة العزلة.
الجيل الحديث
وأشار صالح زمانان إلى أن العزلة الثقافية لها سمات لا تتشابه مع ما نعيشه اليوم، فهناك مبالغة أو حالة من التيه، فما نعيشه يعد سجنا عالميا لا يترك أمامنا إلا شباك التواصل الرقمي التي تزيد من عبثية الحبس.
وحول الحضور الثقافي وتشكلات الأسئلة الجديدة عند الجيل الحديث، أوضح زمانان أن الجيل الشاب لديه لغته الخاصة وأسلوبه وتعاطيه مع كل المسائل وخصوصا الثقافية، وما يمكن تسميته بالهوية الثقافية التي تعد مادة صلبة عند الأجيال السابقة، هي تقريبا غامضة عند الأجيال الحديثة، بل يمكن أن يطلق عليها «الهوية السائحة»، فهنالك طريقان تكشفا مع الأزمة، الطريق الأول هو مادة الفرز والترجمة للمعلومات التي تخص الصحة والمجتمع، والتي قام بها الجيل الشاب الذي أدار دفة الإعلام بشكل كثيف، أما الناحية الثقافية والتي تناول الجيل فيها السخرية، والتي تبدو لغة الغضب والحزن عند الجيل الذي لديه قدرات لا متناهية في سيولة عواطفه وأفكاره، فهي تحتاج لمتلق يفهم الأسلوب واللغة ليجادل، لذلك يجب أن نعترف بخصوصية لغة الجيل الحديث وأساليبه في تعريفه للأشياء.
الاتصال الرقمي
وقال سعيد الزهراني: البشرية تعيش في مرحلة الاتصال الرقمي، فكيف لنا أن نتساءل عن الخطاب في بيئة الاتصال الرقمي، التي تقوم على السرعة ومادة اللحظة، فبالتالي اختلف مع مفهوم الخطاب؛ لأننا نسقط حمولات ومصطلحات البيئة التقليدية على الرقمية وهما لا يستقيمان، فالبيئة التقليدية لها معالمها وتقاليدها وأعرافها، والبيئة الاتصالية الجديدة لا تحتوي هذه الحمولات الثقيلة على وزن الخطاب والعزلة التي تعد أحد أهم المحامل على وسائل الاتصال الحديثة كونها عززتها، وبدأ يظهر لدى الأجيال الرقمية ملامح من الانعزالات على سلوكها، لذلك العزلة غير جديدة على الأجيال الحديثة.
وأضاف الزهراني: إن كارثة كورونا ألقت بظلالها على مجاميع كثيرة، وكما أنها مشكلة صحية فهي مشكلة اتصالية أيضا، انقطعت بها وذابت كل الأشكال الاتصالية الشخصية، ما أدى لذوبان الاتصال الثقافي بين البلدان.