كل يوم منذ بدء أزمة «كورونا» ونحن نتلقى كماً هائلاً من البيانات والإحصاءات اليومية حول هذا المرض الشرس من جميع أنحاء العالم والتي يمكن وصفها بالكارثية على الإنسانية، ولعل أجمل ما يصلني يومياً بين تقارير الأزمة الجافة تلك المقاطع المضحكة والتعليقات العابرة من الذين يحاولون محاربة القلق بالنكتة رغم الاتهامات القاسية التي تطلق عليهم كالانفصال عن الواقع أو اللا مبالاة!
ولعلي أبدأ بتحليل بسيط من خلالي شخصياً، حيث أتابع -بحكم التخصص- تفاصيل الأزمة بحرص وأطلع باستمرار على أغلب المواقع الإخبارية ووكالات الأنباء العالمية ومستجداتها التي في مجملها تبعث على الخوف والقلق والحزن معاً، وأتابع أيضاً بسرور واهتمام كافة ما يصلني حول الأزمة على سبيل النكتة وبث الضحك «الذي ثبت تأثيره الإيجابي على مزاجي» ولا ألبسه ثياباً ضيقة كوصف من ينشرون مثل هذه الرسائل بـ «الفارغين» أو نعتهم بالتحليق خارج الأزمة العالمية بعبارات تتكرر على مسامعنا كثيراً مثل «العالم وين وهم وين» وغيرها من الاتهامات التي لا أساس لها؛ لأني ببساطة أدرك تأثير تواتر الأخبار المزعجة على سلامة الإنسان المزاجية والنفسية؛ وأدرك أكثر أن كثيرا من البشر ليسوا على قدرة عالية من التحمل؛ لذلك أرى أنه من أسباب إحداث التوازن النفسي هو الانفصال فعلاً عن الواقع المؤلم وبث المحتويات المسلية الخالية من الأهداف والمبررات والعلاقة بمجريات الأمور، حيث إن التسلية والضحك والشعور بالراحة النفسية وبساطة الحياة وجمالها هدف عظيم بحد ذاته يستحق تعميمه كثقافة والحرص عليه وعلى منتهجيه أيضاً.
إن التوعية، ورفع الإحساس بالمسؤولية لا تستدعي تحويل الإنسان إلى كائن قلق طوال الوقت؛ بل يتوجب على الجميع معاملة المرحلة على أنها أزمة عابرة لا أكثر، فنحن المسلمين ندرك تماماً أن الفأل الحسن ثقافة تأثيرها ملموس، وأن الرضا والتسليم والصبر من أساسيات التجاوز والفرج، وأن العوض والجبر من الله وعليه، وأن دوام الحال من المحال؛ وعليه أدعو الجميع لاستيعاب حاجات النفس البشرية المختلفة ومراعاة جميع الفئات وظروفهم وقدراتهم والحرص على إسعاد النفس بلا مبرر، ولو كان تحقيق ذلك لا يتم إلا بالانفصال حقاً عن الواقع؛ فلا بأس من أن تقول للواقع «سنعود بعد قليل».
@maiashaq