وكالتيس في قراع الخطوب!
وقد تكون البيئة قد أثرت على هذا الأعرابي.. وربما لم يجد حوله من البشر من يصل إلى مستوى وفاء الكلب وحفاظه على الود، فأراد أن يكون دقيقا في وصفه وهذا ما أدركه الخليفة فلم يعتب عليه لأنه عرف حسن مقصده وخشونة لفظه، وأنه لم يصف سوى ما رأى لعدم مخالطة الحضر وملازمة البادية، فأمر له بمنزل جميل على شاطئ دجلة، فيه بستان ساحر يمر خلاله نسيم لطيف يبهج النفس.. وبجانبه جسر جميل.. وأمر بإكرامه.. فكان -أي ابن الجهم- يرى حركة الناس ولطافة الحضر، فأقام ستة أشهر على تلك الحال، والأدباء يتعاهدون مجلسه.. ثم استدعاه الخليفة فحضر وأنشد قصيدة طويلة كشفت عن مقدار التغيير الذي أصابه وقد مدح المتوكل فيها كثيرا.. هذه بعض أبياتها:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
خليلي ما أحلى الهوى وأمره
أعرفني بالحلو منه وبالمر!
كفى بالهوى شغلا وبالشيب زاجرا
لو أن الهوى مما ينهنه بالزجر
بما بيننا من حرمة هل علمتما
أرق من الشكوى وأقسى من الهجر؟
وأفضح من عين المحب لسره
ولا سيما إن طلقت دمعة تجري
وإن أنست للأشياء لا أنسى قولها
جارتها: ما أولع الحب بالحر
فقالت لها الأخرى: فما لصديقنا
معنى وهل في قتله لك من عذر؟
صليه لعل الوصل يحييه واعلمي
بأن أسير الحب في أعظم الأسر
فقالت أذود الناس عنه وقلما
يطيب الهوى إلا لمنهتك الستر
وأيقنتا أن قد سمعت فقالتا
من الطارق المصغي إلينا وما ندري
فقلت فتى إن شئتما كتم الهوى
وإلا فخلاع الأعنة والغدر
فقال المتوكل: أوقفوه، فأنا أخشى أن يذوب رقة ولطافة!
ولا أدري هل بقيت الرقة واللطافة في الحضر؟!.. أم نحن بحاجة إلى العودة إلى البادية لنتعلمهما ونضيف إليهما الصدق والوضوح ونتخلص من الكذب والمراوغة والبهتان؟!
هروب
عندما أقبل فكرا..
تتبدد سحب الزيف..
ويزورني الصفاء..
ويعانق الخيال الحقيقة..
وتقبل الحياة السعيدة..
أدعوها لأجمل..
كوب من القهوة..
وألذ قطعة..
من فطيرة التفاح..
ويعلن اللقاء..
بداية الهناء..
ويصبح للدروب..
طعم لذيذ..
الدروب..
يشكلها الحاضر..
حين يأتي..
بثوب سعيد..
حينها..
ستكون الدروب..
كل الدروب..
مشتاقة لك..
[email protected]