تتجسد كثير من معاني الحياة في صور مختلفة منها الجيد وكذلك السيئ، كل إنسان ينسب منه وإليه هذه المعاني كما يشاء، اليوم سأركز على أحدها والذي دائما ما يكون ملهما ومؤثرا لي وللكثيرين ممن أعرف ولا أعرف، لما أرى له من بالغ الأثر على صاحبه وعلى من اتجه إليه، حديثي هنا اليوم عن «العطاء» فهذا المصطلح له كثير من التعريفات، ولكن في نظري من أشملها أنه ما قال عنه اللغويون وأضفت عليه بعض الجوانب فأقول إن العطاء هو إحدى الفضائل الإنسانية التي تعني البذل والتضحية، ويكون ذلك بعدم التقيد بحب الذات فقط، وإنما حب الآخرين أيضا، كما يعني التجرد من الأنانية والتملك، وتفضيل البذل على الاحتكار، فالمال والكلمة والنصيحة والمشورة والرأي والشعور بالنسبة للشخص المعطاء وسيلة لا هدف، وبالتالي لا تسيطر عليه الأهواء وحب المال، إنما حب مساعدة الآخرين من خلال كل ما سبق، وهنا أتوقف لأبدأ سطرا جديدا.
كم جميل أن تجتمع كل هذه الصفات في قيمة من أهم قيم الحياة، ما شاهدت أحدا معطاء إلا ووجدته منشرح الصدر طيب النفس متسع الخاطر هادئ البال محببا ومحبوبا للأنفس، الجميل في هذه القيمة أنها باستطاعة الجميل وفي متناوله فبإمكانك أن تكون معطاء من خلال المال إن استطعت أو التوجيه أو الإرشاد أو منع لخطأ أو تصويب لصحيح، إذا حضر العطاء تحضر معه الإنسانية والسماحة وتندثر الأحقاد والخلافات والشكوك وسوء الظنون لأن «الأنا» هنا تنلغي تماما من قاموسه وتصبح «أنا وأنت»، كل ذلك جميل والأجمل والأهم قبل كل ذلك أن تخلص النية لله ويكون كل عطاء لوجهه حتى تكتمل الصورة المشرقة. الناس المعطاؤون أشبههم بالقصور الفارهة الجميلة الكبيرة لكنها بلا أسوار، تتسع للجميع لكل من يرغب بالدخول إليها وكل ينهل منها ما يستطيع إما ملموسا بالأيدي ومحسوسا بالقلب والعقل، لا يميز هذا العطاء بين جميل وأجمل ولا أبيض وأسمر ولا جنسية ولا حتى دين أو عرق بل هو سمة من ديننا السمح إلى كل الخلق وفطرة فطرنا الله عليها، والتي تسدي لنا التعاون بين الفرد والجماعة وتقوية المستضعفين لمجتمع متماسك في شحذ للطاقات والهمم للجميع، كما أنه ذكر كثيرا في القرآن الكريم فقال سبحانه في كثير من الآيات أذكر منها ٰ ﴿ فأما من أعطىٰ واتقى ﴾، ﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضىٰ ﴾. فلنكن جميعا قصورا بلا أسوار.
وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل أودعكم وأقول «النوايا الطيبة لا تخسر أبدا» في أمان الله.
@Majid_Alsuhaimi