تعتبر إشبيلية من المدن التي استوطنها العرب بعد أن هاجموها أول الفتح وحاصروها لعدة شهور بسبب حصانة أسوارها ومناعتها. وقد اختارها موسى بن نصير (فاتح الأندلس) حاضرة لها لوقوعها على البحر، وارتباطها بسائر المدن الأندلسية الأخرى وسهولة اتصالها ببلاد المغرب قاعدة الجيوش الإسلامية. وتعرف إشبيلية بالإسبانية (sevilla) وتقع جغرافيًا على ضفتي نهر الوادي الكبير في جنوب إسبانيا. ويتسم مناخها بأنه متوسط جاف دافئ، وتعد منطقة زراعية خصبة ولديها محاصيل كثيرة متنوعة مثل الحمضيات والأرز.
فتحت إشبيلية سنة 713م بقيادة موسى بن نصير، وفي سنة 742م استقر فيها جند حمص واتبع المسلمون مع النصارى سياسة التسامح وأتاحوا لكثير من النصارى أن يسلموا، وكان ذلك له الأثر في التزاوج بين المسلمين والنصرانيات. وسكن اليهود قسما من المدينة وعملوا في التجارة. وأقام عبدالرحمن الأوسط سنة 848م مسجدا جامعا، لكن تم حرقه من قبل النورمانديين في غاراتهم، ثم أمر الأمير ببناء سور حولها وأقام فيها دار صناعة السفن الحربية في أواسط القرن التاسع الميلادي، وذلك لأن الأندلس لم يكن لديها أسطول بحري سابقا. وفي عهد ملوك الطوائف استأثر بها المعتمد بن عباد سنة 1042م وشهدت في عصره ازدهارا عظيما وأصبحت من أهم مدن الأندلس بعد أن تخلت لها قرطبة عن زعامة المدن والبلاد. وكان للمعتمد بن عباد دور في تقدمها الأدبي والحضاري حيث استقبل فيها الشعراء والأدباء والمهندسين الذين تفننوا بالعمارة والمنشآت، وشيدوا العمارات الضخمة وأقاموا القصور الجميلة.
وفي سنة 1164م استطاع أبو يعقوب أن يشيد القصور والمساجد وحرص على تجميل حاضرة ملكه في الأندلس وانطلقت حركة التعمير والبناء واتسمت أبنيتها بطابع أصيل جميل اجتمعت فيه البساطة من الخارج والزخرفة من الداخل، وعمرت الأسواق والمتاجر والقصور وأقام المنصور مئذنة لمسجدها الجامع. وقد احتوت مدينة إشبيلية على مسجدين جامعين الأول مسجد ابن عديس الذي بناه القاضي عمر بن عديس بأمر من الأمير عبدالرحمن الأوسط سنة 829م، والثاني المسجد الجامع بالقصبة الذي أسسه أبو يعقوب يوسف ومن ساحة هذا المسجد الكبير كانت تتشعب كل طرق المدينة المؤدية إلى الأبواب المفتوحة بالأسوار. واعتبرت إشبيلية أعظم مدن الأندلس في التجارة وكانت الحياة الاقتصادية مزدهرة على الأخص حول المسجد الجامع الذي كانت تحوطه الأسواق ومن هذه الأسواق: سوق الصباغين، والخياطين، وسوق باعة الأثواب، وسوق العطارين، والزجاجين، والفخارين، والنجارين، والقصابين، وسوق الصاغة، ومن أهم الملامح الاقتصادية في مدينة إشبيلية الإسلامية هو الفندق الذي كان يقصده التجار الغرباء وتحفظ فيه البضائع قبل توزيعها. ومن أهم الأبنية الاقتصادية في إشبيلية بالعصر الإسلامي هي دار الصناعة التي تقوم ببناء القطائع الحربية والسفن وما يختص بالآت الملاحة. وكانت المياه ترد للمدينة عن طريق جسر كبير ويتم توزيع المياه في شبكات مائية في جوف الأرض إلى القصور والدور للسقاية وري الحدائق والمزارع.
@xxij2