ما زال هناك بعض الوقت حتى يحين موعد انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن بضعة أشهر على انتخابات البلد الأكبر في العالم سياسيا وعسكريا واقتصاديا ليست كثيرة. وقد كان المعسكر الديمقراطي هو الذي يعيش الأزمة منذ بدايات الحملات الانتخابية، لعدم وجود المرشحين الأقوياء فيه من ذوي الكاريزما والسجل النظيف إضافة إلى الانقسامات داخل المعسكر نفسه من جهة، ولتقدم المرشح الجمهوري (الجالس في البيت الأبيض) في ملف الاقتصاد وانحسار البطالة من جهة أخرى. وهذان الملفان هما اللذان يعول عليهما الناخب الأمريكي الذي لا تهمه كثير من الملفات السياسية أو الاجتماعية والبيئة والطاقة وغيرها.
لكن الأمور تغيرت خلال هذه الأشهر الثلاثة، مع انتشار الجائحة في ربوع الولايات المتحدة الأمريكية بصورة مريعة، وازدياد عدد الوفيات، وإغلاق البلاد شبه الكامل، وتوقف عجلة الاقتصاد، والارتفاع الهائل في عدد العاطلين عن العمل. فقد وصل إلى رقم تاريخي ازداد حتى عن فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، إذ بلغ قرابة 35%. كما أن تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع أزمة كورونا وتداعياتها لم يكن بطريقة مهنية مرضية، إضافة إلى علاقات الرئيس ترامب السيئة مع وسائل الإعلام، مما يجعلها تضخم أخطاءه، وتركز على جوانب النقص -وهي كثيرة- في تعامله مع الأزمة، بل وحتى في أبجديات السياسة التي لا يفقه فيها كثيرا. إذ إنه يصرح بشيء معتمد على معلومة طبية، ويناقضه فيها وزير الصحة الذي يكون مرافقا له في المؤتمر الصحفي اليومي بشأن الأزمة. كما يدعي أن قرار إعادة فتح الاقتصاد في الولايات المختلفة من صلاحياته هو بوصفه رئيسا للولايات المتحدة، وعندما لا يتجاوب بعض حكام الولايات، مثل حاكم نيويورك الديمقراطي، فإن الرئيس يتراجع، ويقول، إني أتباحث مع الحكام وأحثهم على فتح الاقتصاد قدر الإمكان. فمن هنا نرى أن الرئيس الذي كان يفاخر بإنجازاته في الاقتصاد أصبح خالي الوفاض من أي مكاسب في هذا الشأن، كما أن إدارته لأكبر أزمة مرت به خلال فترته الرئاسية لم يكن مرضيا لكثير من الأمريكيين. وقضية أن الرئيس لديه ميزة، عندما يترشح لفترة رئاسية ثانية، أمر صحيح في الغالب، لكنه ليس حتميا. فالرئيس بوش الأب رغم انتصاره العسكري في حرب الخليج الأولى قبيل الترشح للفترة الثانية، إلا أنه خسر الانتخابات أمام منافسه آنذاك الذي أصبح الرئيس بيل كلنتون، وقد قال كلينتون حينها له أثناء السباق الرئاسي جملته المشهورة: إنه الاقتصاد!
فما السيناريوهات المتوقعة لو فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن؟ وما البلدان التي ستكسب في تلك الحالة؟ السيناريوهات المعتادة في حالات الرئاسة الديمقراطية عبر التاريخ هي الكف عن المغامرات العسكرية، التي يفضلها الجمهوريون، ويحجم عنها الديمقراطيون. وهذا يعني أن بقع التوتر في العالم ستنعم ببعض الهدوء، على الأقل لسنوات معدودة، ريثما يعود الجمهوريون إلى سدة الرئاسة. أما البلدان الرابحة من فوز بايدن، فإن على رأسها بالطبع الصين، التي بلغت ذروة خصومتها مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب، خاصة في العامين الأخيرين من رئاسته. بدأت تلك الخصومة بالحرب التجارية والعقوبات المتبادلة، وازدادت ضراوة من خلال الاتهامات الأمريكية للصين بالتسبب في نشر الجائحة في العالم.
falehajmi@