فبحسب تقرير الراصد الدوري لصندوق النقد فإنه في ضوء استجابات السياسات حتى أبريل الماضي، يُتوقع أن تتراجع أرصدة المالية العامة في عام 2020 في كل البلدان تقريبا، إذ إن تفشي كوفيد 19 وعواقبها المالية والاقتصادية ستؤدي إلى زيادة كبيرة في عجز المالية العامة وتعزيز نسب الدين العام مقارنة بالتوقعات السابقة. فمع هبوط الناتج، تتراجع الإيرادات بحدة أكبر (إذ يتوقع السيناريو الأساسي لعام 2020 أن تقل الإيرادات بنسبة 2.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي عن التوقعات الواردة في عدد أكتوبر 2019 من تقرير الراصد المالي). وستقع على المالية العامة تكاليف مباشرة أيضا بسبب المصروفات الصحية الضرورية والإجراءات المتعلقة بالضرائب والإنفاق لدعم الأفراد والشركات، وتقدر هذه التكاليف حاليا بنحو 3.3 تريليون دولار على مستوى العالم. وبالإضافة إلى ذلك، فبالرغم من أن قروض القطاع العام وعمليات ضخ رؤوس الأموال المساهمة (1.8 تريليون دولار أمريكي) والضمانات وغيرها من الالتزامات الاحتمالية (2.7 تريليون دولار أمريكي) يمكن أن تدعم المؤسسات المالية وغير المالية، فإنها تخلق مخاطر على المالية العامة في نفس الوقت.
الأرقام مخيفة بالمقارنة مع الفترة القصيرة، ولكن الأزمة أكبر من استدراكها. والخوف اليوم من أن تنضب «السيولة» فهذا الأمر مهلك للغاية، المشكلة عالمية ولن يجد الغارق من ينتشله من الغرق. وحدها أزمة السيولة التي لا يمكن أن تجد لها حلا.
ولكن الجانب الإيجابي من الأزمة الحالية أنها تسببت في خفض معدلات التضخم التي ارتفعت في السنوات الأخيرة، وأسعار الفوائد البنكية، وجعلت المصارف المركزية تعيد خططها الأنية والمستقبلية بمنظورها المتوسط والبعيد لجعل خطط الطوارئ ومخارجها على أولويات أهدافها.
بل ميزة أتلك الازمة التي حظرت على الناس التواصل والخروج والتحرك وإغلاق الأسواق على المستوى العالمي والتسبب بركودها، أنها تحدث في العصر الحالي، عصر التقنية والأزرار الذكية، تحدث في عصر لا يحتاج لتواصل جسدي ليعيد فتح الأسواق، وعليه فإن الكثير من الخبراء الاقتصاديين يتنبؤون بأن مفعولها وإن بدا حادا لكنه قصير الأجل، وأنا أراها أنها فرصة للتغيير والابتكار والاعتماد على الذات، وإعادة الهيكلات ورسم الخطط، وإعادة ترتيب الأولويات على مستوى الحكومات والشركات وحتى الأفراد، والالتفات إلى القطاعات التي تشهد تطويرا ذاتيا كالتعليم والصحة وإعطائها أهمية أكبر.
@hana_maki00