إنها بالنسبة لي وقوف أمام أبواب مغارة الميتافيزيقا، وسر خفي من أسرار الإنسانية يتوارى وراء مدركاتي الحسية، باختصار هي عندي علاقة أسطورية خرافية ليس لها أي تبرير منطقي. أستذكر ما قرأته يوما للراحلة رضوى عاشور في إحدى رواياتها (غريب أن أبقى محتفظة بنفس النظرة إلى شخص ما طوال ثلاثين عاما أن يمضي الزمن وتمر السنوات وتتبدل المشاهد وتبقى صورته كما قرت في نفسي في لقاءاتنا الأولى)، وهنا يلوح ويلح السؤال! هل تراها كانت تعني زوجها الحبيب مريد البرغوثي؟!
لا ريب عندي في ذلك!
تمطى بهما الدهر ودارت بهما رحى الأيام، كانا معا كتفا بكتف يهونان على بعضهما طريق الحياة الوعر، وقفا ثابتين سويا في مجابهة ملحمة الوجود الكبرى بكل تعقيداتها، ومواجهة طاحونة القدر ودورانها وملاطمة لفحات السنين وسمومها.
أتأملهما وهما يمضيان بعيدا بعيدا معا يدا بيد على جبين الأرض بمسالكها ومساربها، يطويان فيافيها وقفارها، يحتميان ببعضهما من شموسها وصقيعها، يتخطيان أوحالها وأحراشها، يتجاوزن جبالها وكهوفها، يثبتان أمام زلازلها وبراكينها ويعبران دهاليزها وسراديبها.
طالما أسرتني دعوة الأتراك الطيبة للعروسين في ليلة زفافهما (لتشيخا سويا على وسادة واحدة!)، ولا أنسى الابتسامة الشاسعة التي تملكتني والدهشة العارمة التي تولتني حين وقع بصري على الدعوة اللطيفة مطرزة بخيوط ذهبية رقيقة على وجه وسادة بيضاء طويلة تؤوي الزوجين معا!
خمس كلمات أستذكرها وأكررها في سريرتي كلما صادفت أزواجا مسنين.
ذات أصيل، كنت أتقلب وأتنقل بين مواقع التواصل الاجتماعي فإذ بإحداهن تستوقفني بتساؤلها، من هو الزوج؟ ثم تسرد تعاريف جمة ومتنوعة إلا أن عيني تعلقت بتعريف وحيد!
كان باذخ الجمال متناهي العذوبة، الزوج هو شريك النفس والنفس! بهرتني براعة وبلاغة الوصف وتساءلت متى يكون الزوج أو الزوجة فعلا شريك النفس والنفس؟ فتتنزل الإجابة أن إذا شاخا سويا على وسادة واحدة بعد أن غزلت الأيام خيوط حياتيهما معا وبعد رحلة مديدة من المعايشة، المعاشرة، المشاركة، المشاطرة، المخالطة، المخاللة، المخادنة، المساكنة، المعاونة، المؤالفة، الممازجة، المصاحبة والمصادقة.
كرت الأيام والأشهر والأعوام، آلاف الذكريات العذبة تراكبت وتراكمت أثثت متحف العقل وأنورت سماء القلب التي ستكون زادا يصطلي بها كل منهما في الليالي العرجاء.
تتقافز وتتراقص أمام عيني ألف صورة وصورة لهما!
عناق رعدة يديهما الأول في يوم عقد قرانهما، عناق نبض قلبيهما الذي كان يهرول سريعا وهما يحتضنان مولودهما البكر، عناق دموعهما وهي تهمي منهمرة وهما يتأملان شلال البلور المنسكب من هامة ابنتهما الكبرى ليلة زفافها، عناق رقصة روحيهما الشفيفة الخفيفة وهما يتابعان مراسم حفل تخرج ابنهما الأوسط، عناق نظرتهما المستبشرة الممتنة.