صحيح أنها كانت خطوة داعمة لدور الثقافة في الأزمات وكل الظروف باختلافها، وهو ما يشير إلى أهمية هذه المؤسسات الفنية الثقافية في تخليد الإرث الإنساني والتعريف به واحتوائه وفرضه محبة وتواصلا وإنسانية، فقد قامت كل المتاحف بتركيز نشاطها على التعريف بأهم الأعمال المعروضة والفنانين وإلقاء الضوء على مراحل التكوين الفني، تقديم ندوات فنية ثقافية اهتمت بتاريخ المتاحف ودورها وأهميتها ومراحل التطور والتطوير وهو نشاط ثري ومميز لكل المهتمين بمتاحف العالم.
إن هذا الحدث والاحتفال يعنينا أيضا لأن تاريخنا وحضارتنا تفرض ذاتها الجمالية الراسخة من خلال متاحفنا التي تعكسها لتكون عيونا تُفتح على ماض عريق تتأمل عمقه الأجيال ويقدّم بصماته للعالم مرايا للثبات والقوة والهوية، كما أنه بدرجة أولى خطوة تنموية على مستوى دعم الثقافة وتماهيها مع الاقتصاد والمجتمع.
ورغم أن عمل وزارة الثقافة ينمّ عن مجهودات بارزة في التعريف بالثقافة السعودية وتثبيت القطاعات الثقافية والمؤسسات، إلا أن الالتفات لأهمية المتاحف يُعتبر خطوة مهمّة خاصة وأنها مؤسسات ضرورية في كل المناطق في المملكة، ولعلها دشنت هيئة المتاحف حضورها في التويتر في 18 مايو في اليوم العالمي للمتاحف.
لكل منطقة ثراها وتنوعها الأثري والتاريخي والحضاري والفني بمراحله الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة ومن المهم التعريف بها في متاحف فنية ثقافية تبلوها وتؤطّرها، فالمتاحف ليست مجرد فضاءات عرض بل هي منابر معرفة وتعريف محلية ودولية بالهوية الوطنية.
إن تأمل هذا الحدث السنوي الاحتفاء بالمتاحف في مرحلة حساسة وضعنا أمام تساؤلات داخلية إلى أي مدى استطاعت فكرة المتحف أن تحمل دورها المهم والحقيقي وأن تكوّن المنفعة الثقافية والاقتصادية في بلادنا، وهل نحن كمؤسسات ثقافية ومثقفين نقوم بدورنا الكامل في التعريف بها والسعي لتطويرها؟
إن الإجابة عن تلك التساؤلات تجبرنا دوما على العمل والبحث والسعي للتحسين كما تفرض إعادة النظر في متاحفنا وإعادة تشكيل أنظمتها وجرد ما فيها من منجزات وجدولة عرضها وتقديمها وتنظيمها وأرشفتها وإقحامها المنظومة الرقمية وترجمتها لأكثر من لغة والتعريف بها ودعم مواقعها والانطلاق بها من الجمود إلى الحيوية من خلال ربط الصلة مع بقية الجهات التربوية التعليمية الثقافية.
إضافة إلى كل هذا فالمتاحف أيضا يجب عليها المواكبة والبحث من خلال تأثيث منافذ رقمية وغرف عرض خاصة بفنون ما بعد الحداثة فالمتاحف تتطوّر بتطوّر الفنون أيضا وتطوّر تقنيات إنجازها فمتحف للفنون المعاصرة يعدّ أيضا ضرورة وخطوة نحو الانفتاح على الذات والآخر لفرض فرص التفاعل الفني والجماهيري، فالحاجة إلى متاحف للفنون المعاصرة هو حاجة أكيدة وجب التفكير في تركيزها لأنها ستحتوي إنتاجات فنانينا الذين يشهد لهم العالم بتطور التجربة المعاصرة ويحصدون الجوائز ويسجلون المشاركات سواء في الأعمال البصرية أم المفاهيمية أم الفتوغرافيا وفنون الفيديو.
إن المتاحف ذاكرة حيّة لكل تفاصيل التطور الإنساني وثراء لا يقف عند مرحلة واحدة لذلك هو يحتاج التفاتة حقيقية لتغير واقعها الحالي للأفضل ليمكن بعدها الحديث عن دور فاعل لها كمؤسسات ثقافية ينتظر من تحسين مستوى المجتمع.
yousifalharbi@