كل عام وأنتم بخير حال، يهل العيد ويتبادل الجميع الأمنيات الجميلة المتكررة بعبارة «عيد سعيد» ليتكرر التساؤل المطروح منذ الأزل، ما معنى السعادة؟، فلا يوجد موضوع أكثر إثارة لاهتمامنا من فهم فلسفة السعادة، ويمكنك التأكد من ذلك بالبحث عن كلمة «السعادة» في جوجل وتأمل ضخامة عدد النتائج، فهو مبحث في غاية الاهتمام والتأثير، وتمت الكتابة عنه أكثر من أي موضوع آخر وما زالت ومقالتنا تؤكد ذلك، وستجد أن الفكرة الأساسية المشتركة في جميع تلك الكتابات أن تفكيرنا هو المفتاح لكل شيء، ويمكننا تغيير تجربة حياتنا عندما نستبدل بأفكارنا القديمة المحدودة بأخرى جديدة أكثر رحابة، وأن السعادة شعور منبثق من الداخل إلى الخارج، وليس العكس، كالذي يفتش عن نظارته في كل مكان، ويسأل كل أحد وهي على عينيه، وعلى الرغم من اعتراض الأغلبية على ذلك، فهي لا تقتصر على الأمور المادية فقط، ولهذا فمع اختلاف الغايات ستتعدد التعريفات، فقد أكدت فلسفة "أرسطو" على أن السعادة ترتبط بفعل المعرفة، فهي فعل عقلي يرتبط بالتحصيل والتعود، وليست أمرا تصنعه الطبيعة، فلا نولد سعداء وإنما نصبح كذلك، أما الفيلسوف الفارابي فيعتبر السعادة غاية في ذاتها، ما دامت تطلب لذاتها بعيدا عن أية مصلحة. فهى لا ترتبط عنده بإشباع لذة بدنية، لأن هذا فعل مشترك مع الحيوان، لكن الفعل العقلي التأملي هو ما يميز الإنسان، فالسعادة عنده لذة عقلية وليست حسية، فنحن نصبح سعداء بممارسة فعل التفكير والتأمل والاحتكام إلى المنطق، لأن السعادة لا تحدث إلا بجودة التمييز بين الصحيح والخطأ.
ويرى الفيلسوف (إيمانويل كانط Immanuel Kant) أنه لا ينبغي البحث عن السعادة على أنها شىء مستقل، وإنما هي نتيجة لاتباع التزام أخلاقي صحيح تحددها الحياة الأخلاقية التى نعيشها فى الدنيا أى أن السعادة عند كانط متصلة بالفضيلة، أما عند الحكيم (ابن مسكويه) فالسعادة ترتبط بالجسد والنفس فى آن واحد، فالسعادة الدنيوية في نظره ناقصة لانطلاقها من عالم الحس، فلا بد من تعرض صاحبها للألم لتحققها، فمثلا حتى نشعر بلذة الطعام لابد من أن نشعر بألم الجوع، وحتى نشعر بسعادة المال لا بد من العمل بتعب حتى تحصيله، والسعادة فى الآخرة هي الأكمل، لأن صاحبها يتمتع بالخير بعيدا عن الحسرات الدنيوية، فالأخلاق هي غاية السعادة، فلا بد من تهذيب الأخلاق وتقويمها للوصول إليها.
وقد انتقد (ميشيل دى مونتين Michel de Montaigne) الفلاسفة الذي تحدثوا عن تحقيق السعادة كوصفة جاهزة تنطبق على الجميع دون استثناء، فهو يقترح أن يبحث كل إنسان عن السعادة الخاصة به، المتوافقة مع طبيعته، والمنسجمة مع أعماقه، وإيجاد المعنى لتجربتنا الوجودية، فهذا المعنى الذى يتوصل إليه الإنسان سيصبغ كل الوجود من حولنا بالسعادة، لكن هذا المعنى ليس شيئا محددا بعينه ينطبق على الجميع، بل يختلف من شخص لآخر، ولكن الأكيد بعد كل ذلك أن المنبع لمشاعر السعادة الحقيقية ليس بما نملك من الأشياء، بل بمقدار ما نستمتع بما نملكه، وأنها كثيرا ما تدخل حياتنا من أبواب لا نتذكر أننا تركناها مفتوحة، ولا تحتاج لاستحالات كبيرة، والكثير من الأفعال الصغيرة البسيطة قادرة على أن تهز مشاعرنا في العمق، فمن لم يصنعها لنفسه لن يصنعها له الآخرون، فانهض الآن وافعل شيئا يبهج لحظتك الحالية، اتصل بصديق قديم، اصنع كوب قهوة واشربه في فنجان جديد، تصدق بمبلغ غير معتاد، ابتعد عن الكئيبين، افعل كل ما يسعدك ولا تجعل حياتك تمضي بحزن وأنت قادر على خلق السعادة من أبسط الأشياء، وتذكر أن البعض ينشر السعادة أينما ذهب، والآخر يزرعها خلفه حين يغادر المكان، فكن أنت العيد أينما حل أبهج.
LamaAlghalayini@