تقصير القصص القصيرة عبارة مشهورة في اللغة الإنجليزية بلكنتها الأمريكية، يكثر استخدامها في المحادثات عندما يكون هناك شخص يروي تفاصيل قصص امتدت على مدى سنوات، ويريد تشويق السامعين وإعلامهم بأنه لن يطيل عليهم. فنجده بين حين وآخر يردد: ولجعل القصص القصيرة أقصر أقول لكم. ثم يبدأ في سرد أحداث، ومواقف جديدة. نحن أمام تجربة فريدة لمواطن من إحدى دول مجلس التعاون، نرمز له بـ (ي ب) هذا المواطن العربي الخليجي غادر بلده قبل سنوات إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته العليا الماجستير والدكتوراه من جامعة ولاية كاليفورنيا، وأقام في عاصمة الولاية مدينة تالاهاسي هو وأسرته زوجته وابنتان. وأثناء إقامته التي امتدت لسنوات جرب حظه في إقامة مشروع تجاري عبارة عن كافيه بنكهة شرق أوسطية، استمرت إدارته للمشروع عامين من 2005 إلى 2007 حقق نجاحات كبيرة، وجنى أرباحا طائلة حتى إن البعض كان يؤكد أن دخل المحل الشهري يفوق الخمسين ألف دولار أمريكي، بعد ذلك تغيرت حياة الرجل حيث واجه شكوى من بعض العاملين معه ومقابل هذه الشكوى أقام محامياً للدفاع عنه حسب القانون في أمريكا وفِي ولاية كاليفورنيا. لن نتطرق لنقطتين نقطة الاتهام ونقطة الدفوعات التي قدمها للدفاع عن نفسه وسننتقل مباشرة إلى أنه صدر بحقه حكم بالسجن لمدة ثلاثة عشر عاما، خسر جراء ذلك حريته وبعده عن أسرته، وخسر دراسته حيث كان على وشك إنهاء أطروحة الدكتوراه، وخسر مشروعه التجاري الذي كان يدر مبالغ محترمة شهريا حيث باعه لأخيه. ثلاثة عشر عاما قضاها في سبعة سجون في الولاية، كان منها سجون عادية وأُخرى سجون من أشهر وأقوى السجون تحصينا، وشدة. السجن بحد ذاته كان مصيبة وكارثة جديدة أضيفت إلى خسائر الرجل، ومع ذلك قرر (ي ب) تحويل كل تلك الخيبات والشدائد إلى نجاحات. النجاح الأول أنه التزم بدينه وحافظ على عبادته اليومية، وزاد عليها الإكثار من قراءة القرآن الكريم والصلاة نفلاً وتطوعاً لله تعالى، وهذه الخاصية جعلت المسلمين في كل سجن حل به يلتفون حوله، وتعرف على فرق ومجموعات في أمريكا تصف نفسها بالإسلامية ولكنه صحح لهم الكثير من المعتقدات والعبادات، إضافة إلى أنه أصبح يعلم المسلمين الأمريكان وغالبيتهم من السود اللغة العربية ويحفظهم في درس يومي قصار السور ليتمكنوا من الصلاة بصورة صحيحة، الرجل تعامل مع أناس لا يعرفون من الإسلام إلا القشور، مساجين عاديين وآخرين زعماء عصابات وقتلة تحولوا معه إلى أشخاص جدد. عدد الأشخاص الذين نطقوا بالشهادتين على يده يفوق المائتي مسلم جديد. الرجل يقدم على جانب آخر صورة دقيقة لحياة السجون في الولايات المتحدة الأمريكية وفِي ولاية كاليفورنيا على وجه الخصوص، تجربة الرجل لم تقف عند ذلك الحد بل امتدت إلى أن تعلم لغتين في السجن، الأولى لغة الإشارة باللغة الإنجليزية، حيث أصبحت وسيلة تواصل بينه وبين الآخرين تجاوزت حواجز السجن وشدة السجانين، وتعلم اللغة الإسبانية من بعض السجناء الذين قابلهم في رحلته الصعبة، حيث يتحدث معظم سكان الكاريبي وأمريكا الشمالية تلك اللغة، السجن كان حافزا للرجل لأن يصبح كاتباً وله مؤلفات يشرح فيها تجربة بلغت أكثر من مؤلف باشر بنشرها منذ اللحظات الأولى لخروجه من السجن، ويقول إنه لديه المزيد من المؤلفات في الطريق، يضاف إلى ذلك الصفات النفسية والشخصية التي تعلمها في السجن، ومهما طال السجن فهناك نهاية له وخرج الرجل منذ بضعة أشهر وهو يقدم تجربته للناس عبر الكتب ومنصات التواصل الاجتماعي، يقول قصصا كثيرة ويحاول أن يجعل بعضها قصيرة بقدر الإمكان، ومع ذلك يبرز التجربة للناس لعلهم يتعلمون منها وهم طلقاء وبعيدون عن السجون.
salemalyami@