تربية الأبناء في العصر الرقمي ليست بالأمر الهين بل هي مهمة صعبة ومعقدة وشاقة أيضا، وذلك لا ينفي أن تربية الأبناء كانت دائما وفي كل العصور مهمة ومسؤولية عظيمة تترتب عليها أمور كثيرة، فهي ليست مستقبل هؤلاء الأبناء فقط، بل وربما مستقبل الأسرة كلها، أما من وجهة عامة فهي بالتأكيد لها أثرها الكبير في مستقبل الأمم والأوطان، ولذلك نجد كل الأمم بلا استثناء تحرص على تربية هؤلاء الأبناء تربية سليمة تراعي صحة أبدانهم وعقولهم وسلامتهم، كما تحرص على تزويدهم بالمعارف والعلوم والخبرات والمهارات التي تعدهم لما ينتظرهم من أدوار في حياتهم المستقبلية، وكما أن هذا الأمر هو الشغل الشاغل عند الآباء والأمهات الذين يعون أهميته، ويستعدون للتضحية في سبيل أداء دورهم المطلوب، فإنه كذلك أمر شاغل للمجتمعات والأمم، ومع ذلك كله فإن الأمر لا يخلو من ظروف تؤدي إلى انحرافات سلوكية لبعض هؤلاء الأبناء تصل أحيانا إلى ارتكاب الجرائم، لذلك فإن مشكلة (الأحداث) الجانحين هي من المشكلات الخطيرة التي تواجهها المجتمعات، وللأسف فإن مظاهر التقدم العلمي والرقمي وغيرها حتى وإن أدت إلى ارتفاع المستوى الثقافي لأفراد المجتمع، فإنها لم تضع حدا لهذه المشاكل، بل ساهمت أحيانا في بروز أنواع جديدة، منها مرتبطة بتأثير المحتوى الرقمي على الأطفال والمراهقين، لا سيما وأنهم يرون من خلال هذا المحتوى ممارسات، ويطلعون على معارف وتصرفات من مجتمعات تختلف كل الاختلاف في أغلب الحالات عن مجتمعاتهم. ولعل من أخطر مظاهر هذه المشكلة أن الخطر الذي يمثله هؤلاء لا يقتصر على الحدث الجانح في نفسه وأسرته، بل ويمتد إلى المجتمع أيضا، لأن صاحبه يعاني من الشعور بالعدوان تجاه الآخرين أيا كانوا، وذلك بالتأكيد ينشأ على الأغلب نتيجة للظروف التي يعيشها، والتنشئة الاجتماعية الخاطئة التي يمر بها، لذلك فإن هؤلاء الجانحين هم بحاجة ماسة لما يقلل من شعورهم بالعدوان تجاه الأسرة والمجتمع، وهو شعور يزداد عاما بعد عام ما لم يجد الحلول التي تخفف من حدته، لأن هذا الشعور إذا لم يلاق الحلول الناجعة يصل بأصحابه إلى ارتكاب الجرائم التي تبدأ ببعض الأعمال المنافية للأخلاق والقيم وتنتهي بما هو أخطر وأعظم من الجرائم - لا سمح الله-، لذلك فإن إعادة تأهيل الجانحين ومساعدتهم على التكيف وتحولهم إلى أفراد صالحين نافعين هو مسؤولية عظيمة ينبغي أن تقوم بها إلى جانب الأسرة العديد من المؤسسات الاجتماعية والتربوية، وهو أمر والحمد لله يجد في بلادنا عناية وجهودا ملموسة تتمثل في مؤسسات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المنتشرة في أنحاء البلاد وفي المؤسسات والجمعيات والمنظمات الخيرية التي يهتم العديد منها بهذا الجانب، وهي جهود تستحق أن تلاقي الدعم والتأييد والتمويل الذي يساعدها على أداء مهامها، ويحقق لها الاستدامة المالية التي تضمن استمرارها في أداء دورها، وتطوير هذا الأداء.. ولعل البرامج التي تقدم لهؤلاء تحتاج أحيانا إلى التطوير المستمر بما يجمع بين الجدية في محاولات تعديل السلوك وبين تنويع الأساليب المستخدمة من مثل هذه المؤسسات في التعامل مع حالات الجانحين والأحداث، لا سيما وأن تعريف هؤلاء يصل في بعض الأحيان إلى من يبلغ العشرين عاما أو يزيد أو يقل قليلا من دولة إلى أخرى، ويتضمن ذلك البرامج التي تعيد إلى هؤلاء الثقة بأنفسهم وبالمجتمع وتحد من مشاعر الكراهية والعدوان، ويستخدم فيها إلى جانب التعلم الترفيه البريء والترويح والألعاب الرياضية، وكل ما يؤثر في نفوس المستهدفين من هذه البرامج، ويعزز فيهم الثقة بأنفسهم وبالمجتمع، ويقوي مشاعر الانتماء للأسرة والمجتمع، ويعمق لديهم الإحساس بأن هناك من يحبهم ويهتم بأمورهم ويعاملهم بحنان وعطف واهتمام، ولا شك أن نجاح هذه الجهود يغلق العديد من أبواب الشر والجريمة، ويساهم في تحقيق الاستقرار الأسري والأمن المجتمعي، ويوفر حلولا ناجعة لهذه المشكلة ويحد من أخطارها.
fahad_otaish@