تفشي «كورونا» كشف فشل السلطات الإيرانية في مواجهة الأزمات
محاكم الخميني أعدمت شبابا أبرياء اعتقلتهم الأجهزة الأمنية صدفة
كان أحد الناجين من مذبحة السياسيين في السجون الإيرانية عام 1988، وظل سجينا سياسيا لمدة 12 عاما قبل هروبه؛ ما جعله «شاهد عيان» على المعاملة الوحشية للسجناء وتعذيبهم على أيدي عملاء النظام الإيراني.. هو المعارض الإيراني حسين فارسي الذي كشف في حواره لـ«اليوم» عن تفاصيل اعتقال عدد من أفراد أسرته في أواخر فبراير من العام الجاري، واستمرار حبس شقيقته «مرضية» التي تعاني من أمراض مزمنة، وتعذيبها خلال الاستجواب من قِبَل مسؤولين في وزارة الاستخبارات الإيرانية. فإلى نص الحوار..
كيف حدثت مذبحة السجناء السياسيين في السجون الإيرانية عام 1988 وأنت أحد الناجين؟
ـ بعد أن وافق الخميني على وقف إطلاق النار في 18 يوليو 1988، أصدر أوامر لثلاثة جلادين من أعضاء نظامه القضائي بتفعيل فتوى دينية تنص على أن كل مؤيدي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المتواجدين في سجون البلاد، والذين يؤيدون مواقف المنظمة يعتبرون في حكم «المحاربين لله»، ويجب إعدامهم بأسرع وقت ممكن، ووجّه الخميني أوامره بذلك إلى حسين علي نيري «قاضي الملالي» في محكمة الثورة بطهران الذي يعمل حاليًا قاضيًا في المحكمة العليا، ومرتضى إشراقي المدعي العام في طهران، ومصطفى بور محمدي الذي كان آنذاك نائب وزير المخابرات ثم وزير الداخلية ووزير العدل في وقت لاحق، والآن مسؤول قضائي، ضمن من نسميهم «فرقة الموت»، وكانت طريقة وأسلوب كليهما هو استدعاء عدد كبير من السجناء والتعامل معهم واحدًا تلو الآخر، كل سجين كان يُسأل أولًا عن تفاصيل حياته، ثم يقال له: «ما تهمتك ولماذا ألقي القبض عليك؟».. فإذا قال السجين إنني اعتقلت لدعم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، انتهى الأمر، وسيوقع حينها الأشخاص الثلاثة على حكم الإعدام، وبعبارة أخرى كان يكفي النطق بكلمة «مجاهدي خلق» لتوقيع حكم الإعدام.
وبهذه الطريقة، كانت «فرقة الموت» تصدر أحكامًا بإعدام مئات من الأشخاص كل يوم، وكان يتم شنقهم جميعًا في نفس اليوم، وشاهدت بنفسي أربع جولات على الأقل من طوابير طويلة من السجناء معصوبي العينين يُساقون إلى حبال المشانق، وكان يتم إعدام ما بين 80 إلى 100 شخص في كل جولة، ويستمر إعدام السجناء حتى نهاية الليل.
وبعد شهرين من الحبس الانفرادي، اكتشفت أنه لم يبقَ في سجن «جوهردشت» سوى حوالي 200 سجين، ومن عنبرنا تم إعدام 23 سجينًا من أصل 30، وفي عنبر آخر من بين المعتقلين الـ150 تم إعدام 148 ونجا اثنان فقط، وتم إعدام أحد إخوتي في سجن إيفين في نفس الوقت.
هؤلاء الأشخاص الذين رأيتهم كانوا في سجن «جوهردشت كرج» وعلمت أنهم تصرّفوا بنفس الطريقة في معظم المدن وأعدموا أنصار ومؤيدي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. ووقعت عمليات القتل في جميع مدن إيران تقريبًا، وفي بعض المدن تم نقل السجناء إلى قواعد عسكرية، وإطلاق النار عليهم بشكل جماعي، ودفنهم في مقابر جماعية، وفي طهران دفن الضحايا في مقابر جماعية بمقبرة خاوران.
قصة هذه المجزرة طويلة جدًا، وما ذكرته يُعدّ إيجازًا لتفاصيل مروّعة، وتم إعداد العديد من الكتب والمذكرات حول هذه المجزرة التي تتضمن وقائع يندى لها جبين الإنسانية، ويجب التحقيق فيها، وتقديم المتورطين فيها للمحاكمة.
كيف تحمّلت المعاملة الوحشية للسجناء والتعذيب على أيدي عملاء النظام الإيراني؟
ـ أولًا، في ذلك الوقت تم اعتقال العديد من الشباب كمشتبهٍ بهم في الشوارع وتعرضوا للتعذيب في سجن إيفين بأكثر الطرق وحشية لنزع اعترافاتهم بأنهم من أنصار ومؤيدي الجماعات السياسية.
وأتذكر أنه في أغسطس عام 1981، اعتقل عناصر من قوات الحرس الثوري أربعة شبان في شارع شريعتي بطهران، وكانوا يستقلون سيارة ذات زجاج داكن، وتم الزج بهم في اليوم نفسه في الفرع 7 من سجن إيفين وتعرضوا للتعذيب، حيث تم إجبار الأربعة على الاعتراف بالتآمر لاغتيال مسؤولي النظام، وحُكم عليهم بالإعدام في منتصف الليل.
وبينما كانوا على وشك الإعدام في الساعات الأولى من الصباح، ترك أحدهم بالصدفة، واسمه حميد، ووضع خارج طابور الإعدام ولم يُعدَم، ونتيجة لذلك استؤنف استجوابه والتحقيق معه بعد فترة، وأخيرًا وبعد انتهاء التحقيق، اتضح أن اعترافاتهم كانت بسبب التعذيب الوحشي، وأنهم لم يرتكبوا أي جريمة، وتم إطلاق سراح حميد في نهاية المطاف بعد عام، بينما تم إعدام أصدقائه بوحشية.
كان التعذيب أثناء عملية الاستجواب يعتمد بشكل أساسي بالضرب على باطن القدم بـ«كابل كهربائي» عريض، لكن عمليات التعذيب الشائعة الأخرى كان التعليق في السقف، وكان هناك أكثر من 70 نوعًا من التعذيب يُطبق على السجناء.
ودفعت جرائم التعذيب الوحشية وكثرة أحكام الإعدام حسين علي منتظري «خليفة خميني» على كتابة رسالة لخميني احتجاجًا على تعذيب وإعدام السجناء السياسيين.
كيف حدثت مأساتك وشقيقتك «مرضية» في أواخر فبراير 2020؟
ـ كما أبلغوني، قدم فريق من المخابرات إلى منزلها الكائن في إحدى الشقق التي دخلوها بالقوة، وهددوها وأسرتها بالسلاح، ثم قاموا بتفتيش المنزل ومصادرة الطابعات والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر والهواتف العائلية.
وفي نهاية المطاف، تم نقل أختي وزوجها وولديها إلى سجن إيفين، حيث تعرضوا للتعذيب النفسي والتنكيل أثناء الاستجواب.
وأخيرًا بعد شهر تم إطلاق سراح زوج وأبناء أختي، لكن أختي التي تعاني من مرض السرطان، ومصابة بمرض القلب، لا تزال معتقلة في سجن المخابرات، واستجوابها ما زال مستمرًا.
ولا أعلم لماذا لم يُفرَج عنها، لكني أعتقد أن عملاء المخابرات يتطلعون لكسرها وإجبارها على الإدلاء باعترافات سياسية ضد المقاومة الإيرانية.
أين دور منظمات حقوق الإنسان من التعب الصحي لشقيقتك؟
ـ برأيي، مواقف منظمات حقوق الإنسان، مهما كان حجم تأثيرها المحدود، فهي فعّالة، وتؤدي إلى فرض قيود وضغوط على النظام لوقف التعذيب بحق السجناء، وأنا شخصيًا أتوقع من خلال تدخّلهم وضغطهم أن يُطلق النظام سراح أختي.
بعبارة أخرى، تتوقع عائلات السجناء السياسيين في إيران من المجتمع الدولي وجماعات ومؤسسات حقوق الإنسان زيادة الضغط على النظام الإيراني إلى الحد الذي يضطر فيه النظام إلى الامتثال للقانون الدولي ومراعاة حقوق السجناء.
ما الوضع الآن مع انتشار «كورونا» في السجون الإيرانية؟
ـ من الواضح أن حياة السجناء لا قيمة لها بالنسبة للنظام الإيراني، والملالي لا يفكرون بشكل أساسي في إنقاذ حياة السجناء، ولكنهم يفكرون في الحفاظ على نظامهم، ولهذا يرفضون الإفراج عن السجناء السياسيين وإبقاء السجون فارغة.
حاليًا، الوضع الصحي في جميع السجون في إيران يُرثى له، وقد لقي العشرات من السجناء حتفهم حتى الآن في سجون إيرانية مختلفة بسبب انتشار «كورونا».
واعترف رئيس نظام الملالي روحاني نفسه بأن سجنًا واحدًا يضم 120 سجينًا، احتجز سجينًا مصابًا بفيروس «كورونا»، ونتيجة ذلك أصيب 100 سجين آخر بالوباء، وترجع أعمال الشغب في أكثر من 11 سجنًا مختلفًا في محافظات إيران بالكامل إلى انتشار الجائحة ونقص الرعاية الصحية في السجون، وتلك الانتفاضات رد النظام عليها بقتل السجناء.
كيف يتعامل المجتمع الدولي مع الدعوات لإنقاذ حياة السجناء السياسيين؟
ـ نعم، بالطبع، دعت زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي مرارًا وتكرارًا إلى الإفراج عن السجناء السياسيين، مؤكدة أن المعتقلين يتعرضون للتعذيب والإعدام، ودعت الأمين العام للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان إلى اتخاذ إجراءات فورية من أجل الإفراج عنهم، كما طالبت وفود هذه المنظمات بزيارة سجون النظام والالتقاء بالسجناء وتفقّد أحوالهم والاطلاع على سوء الأوضاع الصحية.
وقالت رجوي أيضًا إن على نظام الملالي أن ينشر أسماء جميع المعتقلين ويحترم جميع حقوقهم وفقًا للاتفاقيات الدولية التي وقّع عليها، كما تقوم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية بأنشطة واسعة النطاق داخل المنظمات والهيئات الدولية لإنقاذ أرواح السجناء.
وفي 19 مارس 2020، دعا كل من المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران، والمقرر الخاص المعني بحقوق الصحة البدنية والنفسية، والمقرر الخاص المعني بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة، والمقرر الخاص المعني بالاعتقالات التعسفية، إضافة إلى خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لإطلاق سراح آلاف السجناء، بمَن فيهم السجناء السياسيون في إيران، بسبب الخطر الشديد الذي يحاصرهم بعد انتشار وباء «كورونا» في السجون الإيرانية.
وقال المقررون في دعواتهم إن إيران تضررت بشدة من «كورونا»، وفي مثل هذه الحالة يتعرض بعض السجناء لخطر الفيروس بسبب أعمارهم أو حالاتهم الصحية، وطالبوا بالإفراج عن هؤلاء السجناء على الفور.
وقالوا في بيانهم أيضًا: «نحث على معاملة السجناء وفقًا للإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية»، كما طالب مقررو وخبراء من الأمم المتحدة بإطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفًا، وأيضًا بعد اعتقال طالبين عبقريين من الجامعات الإيرانية «علي يونسي وأمير حسين»، أصدرت منظمة العفو الدولية بيانات تدعو إلى الإفراج عن السجناء.
ومن بين الأجهزة الأخرى التي دعت إلى الإفراج عن السجناء، يمكنني ذِكر، الاتحاد الإيطالي لحقوق الإنسان وجمعية القلم الدولية ومنظمة شباب حزب العامل النرويجي واللجنة الكندية لأصدقاء إيران الديمقراطية ولجنة البرلمانيين الإيطالية والرابطة الإيطالية «لا تلمسوا قابيل» ولجنة العمدات الفرنسية، والعديد من منظمات حقوق الإنسان الأخرى، ومن الطبيعي أن يكون لهذه الضغوط تأثير، ونتوقع أن تستمر هذه الضغوط حتى يتم الإفراج عن السجناء بالكامل.
اعترف قضاء نظام الملالي باعتقال طالبين إيرانيين من النخبة لمدة شهر تقريبًا.. كيف ترى هذا التصعيد القمعي من الملالي؟
ـ من الواضح جدًا أن النظام الإيراني، خاصة بعد انتشار فيروس «كورونا» غير قادر بشكل أساسي على حل مشاكل المواطنين بسبب عدم كفاءته وفشله، وأرسل أبناء الشعب الإيراني إلى مذبحة «كورونا» والنظام غارق بعمق في الأزمات المستعصية.
في المقابل، كشفت المقاومة الإيرانية وقوتها المحورية، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، عن سياسات النظام المعادية للشعب، ولن تدخر «مجاهدي خلق» أي جهد من أجل إنقاذ الشعب الإيراني.
واعترف قادة النظام، من خامنئي إلى روحاني والقادة الآخرين للنظام، مرارًا وتكرارًا بأن خوفهم هو من المقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وكشفوا عن نيّتهم بتدميرها.
ولكنهم لم ينجحوا في ذلك، بل أصبح أبناء الشعب الإيراني، خاصة الشباب والمثقفين، أكثر وعيًا وانضموا إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
لذا فإن ردود الفعل الجبانة الصادرة عن الأجهزة الأمنية والنظام القضائي للنظام لتدمير المقاومة ومؤيديها هي محاولة فاشلة لن ينجحوا فيها أبدًا.