هذه مجرد عينات وإلا الحوادث لا تعد ولا تحصى، خصوصا في السنوات الأخيرة مع صعود اليمين المتطرف ووصول ترامب للبيت الأبيض. فوفق تقارير عديدة جميعها تشير إلى أن الشرطة الأمريكية - على سبيل المثال- قتلت 102 مواطن أمريكي من أصول أفريقية عام 2015م.
ووفق صحيفة وول ستريت جورنال التي ركزت على التمييز العنصري فيما يخص الالتحاق بمؤسسات الشرطة فإنها أشارت إلى أن عددا ضئيلا جدا من المواطنين السود يسمح لهم أن ينضموا لفرق الشرطة الأمريكية، وإذا ما تم قبول هؤلاء البعض تجرى لهم اختبارات معقدة ومنفرة حتى لا يتمكنوا من تجاوزها. بل كشفوا عن عنصرية مقيتة تتركز على تدريب الشرطة على حمل السلاح والرمي به من خلال صور لرجال سود توضع على حوامل التدريب.
وقد أجرت صحيفة (واشنطن بوست) دراسة أثبتت أن الشرطة الأمريكية قتلت نحو ألف مدني أمريكي خلال العام الجاري 40 بالمائة منهم كانوا من البشرة السوداء وغير مسلحين.
لكن مقتل جورج فلويد هو الشرارة التي أطلقت مارد الغضب من قمقمه، وانفجر في شكل مظاهرات تخللتها أعمال شغب وتخريب في مناظر لا تراها عادة إلا في مدن العالم الثالث أو كما كان يريد الإعلام الغربي أن يصورها في أذهاننا على أنها لا تحدث عنده بالمطلق. والسؤال: هل وصلت الديمقراطية في أمريكا إلى نوع من التصلب المفضي إلى الانكسار؟
المؤرخ والسياسي الفرنسي (توكفيل) صاحب أشهر كتاب عن الديمقراطية في أمريكا. كتب ملاحظاته ودونها عندما كان سفيرا لبلاده (1835- 1840)، ومن جملة ما دونه أن فرادة الديمقراطية الأمريكية وتمايزها عن الديمقراطيات الغربية أنها قامت على النموذج الليبرالي بامتياز وفق عوامل ثلاثة: الوضع الجغرافي والتاريخي الخاص، والقوانين والعادات والأخلاق، فعدم توافر جيران ملاصقين للأراضي الأمريكية بحيث لا يشكلون قلقا تحت مسميات العداء أو الحروب مع وفرة أراضيها الشاسعة أعطاها ميزة. وكذلك يلاحظ أن المصالح ذات الطابع اليومي هي التي تقود التجمعات الحزبية السياسية وليست القيم الأيديولوجية كما في أوروبا، وأن طابع الحرية والمساواة المتميزة به هذه الديمقراطية مستمد من أصولها الدينية. الآن حرية بلا مساواة بسبب مفاعيل الرأسمالية الليبرالية، وهذا ما تعمل على تبيان مساوئه وتفكيكه في إطار نظرية ما بعد الاستعمار، وجل أصحابها - وياللمفارقة- خرجوا من الجامعات الأمريكية وأغلبهم من البشرة السمراء أو السوداء أو من العالم الثالث.
وهذا في ظني له دلالة كبرى لا تنزاح عن القول: رغم المساوئ والتناقضات تظل التجربة الديمقراطية الأمريكية هي أفضل الموجود.
@MohammedAlHerz3