عمليات تجنيد
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ النفوذ الإيراني لا يزال مستمرًا في سوريا، ويتركز على طريق طهران - بيروت؛ من أجل وصول الإمدادات الإيرانية إلى حزب الله، ومن اللافت أنّ الوجود الإيراني بات الآن يعتمد على الميليشيات السورية الموالية لإيران، وهي ميليشيات ليست من أبناء الطائفة الشيعية، وإنما من أبناء عشائر دير الزور الذين جنّدتهم إيران باستخدام الأموال.
كما تتسارع في الجنوب السوري ومنطقة غرب الفرات شمال البلاد، عمليات التجنيد لصالح القوات الإيرانية وحزب الله اللبناني، وذلك عبر عرّابين تابعين لطهران مقابل سخاء مادي، على نمط ما تقوم به أنقرة من تجنيد لفصائل سورية تابعة لها أيضًا.
وتواصل إيران اللعب على الوتر الديني والمذهبي عبر استمرار عمليات التشيُّع، وذلك في سرايا العرين التابع للواء 313 الواقع في شمال درعا، بالإضافة لمراكز في منطقة اللجاة ومناطق أخرى بريف درعا وخان أرنبة ومدينة البعث بريف القنيطرة على مقربة من الحدود مع الجولان السوري المحتل، بالإضافة لمدينة الميادين وباديتها وضواحيها ومنطقة البوكمال وغيرها بريف دير الزور غرب نهر الفرات.
ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان تصاعد تعداد المتطوعين في الجنوب السوري لحوالي 6000، كما ارتفع إلى نحو 4000 عدد الشبان والرجال السوريين من أعمار مختلفة ممن جرى تجنيدهم في صفوف القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها مؤخرًا، بعد عمليات التشيُّع، وذلك ضمن منطقة غرب نهر الفرات في ريف دير الزور، إذ تعمد الميليشيات الإيرانية لتكثيف عمليات التجنيد هذه في استغلال كامل منها لانشغال الروس في الاتفاقات مع الضامن التركي بالشمال السوري.
الغطرسة الإيرانية
وبينما تُجمع كلٌّ من روسيا والسعودية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على ضرورة إخراج القوات والميليشيات الإيرانية من سوريا والقضاء على أيّ نفوذ لطهران، وقطع طريقها نحو بيروت مرورًا ببغداد ودمشق، لا يبدو أنّ الرئيس السوري بشار الأسد غير متوافق مع هذه المساعي، وإن كان لا يجرؤ في الوقت الحالي على قولها صراحة، حيث تتمتع إيران أيضًا بنفوذ داخل الطبقة السياسية والعسكرية في سوريا.
ولا يحظى الوجود الإيراني بأيّ شعبية له في سوريا، حتى أنّ المظاهرات التي خرجت مؤخرًا في محافظة درعا السورية، مُطالبة بخروج الميليشيات الإيرانية من المنطقة تحت شعار «سورية حرة حرة.. إيران تطلع برا» حظيت بقبول واسع لدى الموالاة والمعارضة في سوريا على حدّ سواء.
كما أنّ النظام السوري نفسه بات يشكو من الغطرسة الإيرانية والتدخل في القرارات السياسية من بوابة ادّعاء طهران أنها العامل الرئيس في بقاء الأسد في الحكم منذ العام 2011، حيث بدأت المأساة السورية، بينما تداول ناشطون معلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من مرة، حول أن دمشق وموسكو هما مَن تزوّدان إسرائيل بإحداثيات قصف المواقع الإيرانية في سوريا.
قوات النمر
وانطلقت مؤخرًا حملة من ميليشيات سورية موالية لإيران ضد قائد «قوات النمر» العميد سهيل الحسن، بالتزامن مع إجراءات جديدة ضد رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد.
وفي صيف العام الماضي، جرى تغيير اسم «قوات النمر» إلى «الفرقة 25 مكافحة الإرهاب» بقيادة الحسن، الذي يحظى برعاية روسية، تمثلت بمشاركته في لقاءات الرئيس فلاديمير بوتين والأسد في قاعدة حميميم.
وكانت إيران ساهمت في نهاية 2012 بتشكيل «قوات الدفاع الوطني» في نسخ لتجربة «باسيج» الإيرانية، بتجنيد ميليشيات سورية للقتال إلى جانب قوات النظام ضد فصائل المعارضة، إضافة إلى ميليشيات أخرى غير سورية، ويعتقد أنها تتنافس مع «قوات النمر» التي تحظى بدعم روسي.
وبرزت في موسكو، مؤخرًا، مؤشرات إلى عنصر جديد للتوتر مع دمشق، وصف بأنه تسبب في «استياء روسي» على خلفية تغاضي الحكومة السورية عن عودة قوات تابعة لإيران إلى مناطق حيوية، كان تم الاتفاق سابقًا بين موسكو ودمشق على تقييد وصول هذه القوات إليها.
دمشق تتراجع
ونقلت وسائل إعلام روسية عن مصادر أن موسكو «تواجه مجددًا تراجع دمشق عن تعهّدات واتفاقات سابقة». وأشارت إلى معطيات تؤكد ظهور قوات إيرانية ومجموعات تابعة لطهران في مجمع يقع بالقرب من مطار دمشق، وتطلق عليه تسمية «الغرفة الزجاجية». ووفقًا للمعطيات؛ فإن موسكو كانت قد طلبت من الجانب السوري وضع قيود على الوجود الإيراني في هذه المنطقة، خصوصًا بعد تعرّض مطار دمشق لضربات جوية عدة من جانب إسرائيل.
وأوضحت شبكة «رامبلر» واسعة الانتشار، أنّ المجمع يضم نحو 180 غرفة، وكان يستخدم مركزًا لإدارة العمليات للقوات الإيرانية في وقت سابق، قبل أن يتم إخلاء المنطقة بناءً على اتفاق روسي مع دمشق. وتعهّدت موسكو في وقت لاحق بإعادة ترميم المجمع، وكانت تستعد لضخ استثمارات في هذا المجال.
انتهاك الاتفاق
وذكرت مصادر أن موسكو كانت قد وضعت خططًا للاستثمار في مطار دمشق وتطويره، واستخدام المناطق المحيطة به، لذلك كانت حريصة على خروج الإيرانيين من المنطقة حتى لا تتعرض لضربات إسرائيلية جديدة.
كما نقلت مصادر أن الجانب الروسي انتقد أيضًا انتهاك دمشق اتفاقًا سابقًا يتعلق بترتيبات لضمان الأمن في المنطقة الجنوبية، كان تم التوصل إليه بين روسيا والأردن وإسرائيل، وقضى بانسحاب الإيرانيين والقوات التابعة لطهران إلى مسافة تزيد على 80 كيلو مترًا عن المنطقة الحدودية في الجنوب.
وتتركز عمليات التحصين الإيرانية الجديدة في سوريا بشكل رئيسي على طول البادية الممتدة من البوكمال قرب الحدود العراقية ـ السورية حتى جنوب مدينة دير الزور، بعد توارد المعلومات حول إمكانية شن عملية عسكرية تستهدف النفوذ الإيراني في حال فشلت محاولات روسيا على الصعيد السياسي بإقناع إيران سحب قواتها من المنطقة.
تحالف ثلاثي
وكان المرصد السوري تحدث مؤخرًا، عن تحالف ثلاثي بين إسرائيل وقوات التحالف الدولي والروس بشكل غير مباشر، يعمل من أجل إغلاق طريق طهران ـ بيروت من الجانب السوري، ومجابهة النفوذ الإيراني بالبادية السورية.
وأوضح المرصد أنّ عملية طرد الإيرانيين من تلك المنطقة سوف تتم عبر تحالف كلٍّ من قوات النخبة في البادية السورية وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» والتحالف الدولي بالتنسيق مع إسرائيل، تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش، وذلك للسيطرة على كامل المواقع التي تسيطر عليها حاليًا القوات الإيرانية في تلك المنطقة.
تجاهل تركيا
وفيما تتجاهل العملية الثلاثية أيّ دور يُذكر للجيش التركي المُنتشر على طول الحدود السورية الشمالية، لم يستبعد مراقبون سياسيون أن تحول أنقرة، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع طهران، وسبق أن أنقذتها من عقوبات أمريكية قاسية، فيما ساءت علاقتها مؤخرًا مع موسكو، من نجاح عملية قطع طريق طهران ـ بيروت لوجستيًا ومُخابراتيًا على الأقل، وذلك بحجة المخاوف من توسيع مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تُهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية، على المزيد من الأراضي السورية خاصة المُتاخمة للعراق.
وفي هذا الصدد، تحدث رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من بريطانيا مقرًّا له، أنّ محاولات عدّة للقوات الروسية باءت بالفشل للانتشار في مدينة الميادين السورية الإستراتيجية، نتيجة التعنّت الإيراني.
وأشار، في بيان له نشره على منصّة المرصد الإلكترونية، إلى قيام روسيا بنشر فصائل التسوية في البادية السورية قرب تدمر، فيما كان هناك رفض إيراني كامل بأن تنسحب القوات الإيرانية من البوكمال والميادين وما يُعرف بطريق طهران - بيروت، بل على العكس من ذلك قامت إيران بإقحام قوات جديدة من الحشد الشعبي العراقي، فيما تقوم بعض المجموعات التابعة بشكل غير مباشر لروسيا، بجمع بنك أهداف بطلب من التحالف الدولي والإسرائيليين لأماكن تمركز القوات الإيرانية غرب الفرات وفي منطقة الشامية بشكل خاص.