ذكر الكاتب طاهر الزارعي أن الجائحة تعد من أبرز الأحداث، التي طالت العالم، ولا تزال آثارها تتجدد يوما بعد يوم على جميع الأصعدة، الثقافية منها والاجتماعية والرياضية والاقتصادية، وبالتالي فالعالم أصبح قلقا من تلك الآثار التي ستكبد مؤسساتها المختلفة خسائر كبيرة، وأشار إلى أن السوق الثقافية والفنية لن تكون بمنأى عن تلك الآثار المترتبة على الجائحة، فالهوية الثقافية بطبعها متجددة ولا ترضى بالتوقف، والجائحة عرقلت -إن صح التعبير- تلك السوق ومنعتها من الإنتاجية.
ويرى الزارعي أن المتمعن في الحركة الثقافية يلاحظ ملامحها، التي لم تعد كما كانت قبل «كورونا»، وحلت بدلا منها وسائط لا يمكن أن تفي بالغرض المنوط من الثقافة بشكل عام، وهناك ثمة «هلع» من انحسار الثقافة على منصات التواصل الاجتماعي والعمل فيها عن بعد، فهذه المنصات محدودة ومقتصرة على عدد متابعيها، ولا تتلاءم مع تقنية الاتصالات، التي سرعان ما تخذلنا.
المؤسسات الثقافية
وأوضح الزارعي أن المؤسسات الثقافية يجب عليها أن تعود أفضل مما كانت قبل الجائحة؛ لتعويض ذلك الفراغ الثقافي الذي تسرب إلى ذهن المثقفين، وهذا يتطلب من المؤسسة بذل الجهد وابتكار أساليب وطرق عديدة تتناسب مع حجم ما خلفته الأزمة.
وتابع: العمل عن بعد حاليا هو الأنسب لاستمرار كل القطاعات، ويبقى لكل مؤسسة ثقافية طريقتها في كيفية جلب أكبر عدد من المثقفين والمساهمين في ثقافتنا، وأرى أن جمعيات الثقافة والفنون والأندية الأدبية والمعارض الفنية ومواقع الثقافة كمركز «إثراء» هي الأبرز في تحريك مسار الثقافة.
وأكد أن المجتمع الثقافي سيحتاج إلى وقت كبير لتجاوز هذه المرحلة، وثمة تحول سيحدث في جميع القطاعات الثقافية بعد جائحة كورونا، ترافقه حالة من القلق لمستقبل ثقافي لا يزال يعاني صراعا مع هذه الأزمة.
أنماط جديدة
ذكرت الكاتبة والناقدة د.أميرة كشغري أن الثقافة اكتسبت زخما تفاعليا وأبعادا إنسانية كانت أكثر تعبيرا عن مشاعر الإنسان واحتياجاته في ظل أزمة كورونا، بالإضافة لدعمها لأدوات التقنية الحديثة ودورها في ترسيخ الأشكال الجديدة في الإنتاج الأدبي والثقافي، حيث أسهمت التقنية في أن تأخذ الثقافة أشكالا وأنماطا مختلفة عما كنا نعيشه، التي تعد أكثر صدقا وتفاعلية، وفي الوقت نفسه أعطت الجميع إحساسا بالقرب، وتعويضا كبيرا عن التباعد الجسدي والعزلة التي نشعر بها.
وأوضحت أن هذه الأنماط الجديدة، التي خلفتها «كورونا» ستشكل نواة جديدة من الثقافة بعد انتهاء الأزمة، وتعتقد أنها ستشكل إنتاجا وإبداعا ثقافيا في المستقبل، وتابعت: بدأت الأنماط التقنية في اللقاءات الثقافية مع الأزمة، وما زالت مستمرة، وأصبحت أكثر ترسخا في هذه الفترة، بالإضافة للقراءة الإلكترونية أو اقتناء الكتب الصوتية، كما أن ما ينتجه المثقف أو الكاتب في هذه الفترة سيكون له قيمة ومحتوى نوعي في المستقبل.
دعم التقنية
وأشارت كشغري إلى أن العودة إلى الماضي كما كان بعد انتهاء الأزمة مستحيل، وبطبيعة الحال سنعود لممارسة الحياة الطبيعية، ولكن بوعي بعدة أمور أهمها القدرة على اختيار نوعية معينة من الأنشطة، التي تمنحنا الشعور بالامتلاء والامتنان وفتح آفاق جديدة، فالمناشط الثقافية عن بعد هي مكمل للأنشطة الثقافية السابقة التي كانت تعتمد على الحضور، مؤكدة أن الثقافة عن بعد ستترك أثرا في مستقبل الثقافة، وأما بالنسبة لمعارض الكتب فمن المستحيل أن تقام عن بعد لأنها من المحافل الأساسية، التي يجب أن تكون على أرض الواقع.
أثر إيجابي
وأوضح مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام يوسف الحربي أنه ولما عرفناه من تحولات سلوكية وعادات مست بنشاطنا الثقافي، فمن الطبيعي أن يكون للأزمة أثر كبير في الحركة الثقافية، خاصة أنه غير في خطط البرمجة وطبيعة العرض والنشاط، الذي تحول من الفضاءات العامة والمخصصة والمشاركة الحقيقية والحية إلى الافتراضية، ما فرض التوجه لوسائل التواصل الاجتماعي والتقنية وخلق مواقع على شبكة الإنترنت ونواة للتواصل، وهو ما ترك أثرا إيجابيا على مستوى الابتكار من المؤسسات الثقافية إلى المثقفين أنفسهم، وهذا بطبيعته كان له تأثير على عدة مستويات من بينها الإنتاج والعرض، خاصة إقامة المعارض واستعراض الكتب واللوحات وغيرها، ما أسس لعادات اختلفت في مدى تلقيها لفكرة الفنون والتأسيس الحقيقي والجاد لأدوارها، التي لا تتجرد ولا تختفي مهما كانت سبل وطرق النفاذ والتعبير.
ثقافة لا تجمد
وفيما يخص الجمعية أكد الحربي أنه سيكون هناك حرص على البرامج الأكثر تأثيرا وأهمية وتواصلا مع المتلقي، والعرض لها بشكل واعٍ ومتوازن، خاصة أننا نعيش التغيير على كل مستويات التواصل، كما أن الفعاليات التي ستستمر هي المبرمجة، مثل العروض الفنية والندوات الثقافية والمعارض الفنية، أما التي ستلغى فسيتم البحث فيها من أجل تدارك عرضها، والتحول بها نحو مستوى أكثر تناسبا مع الوضع الصحي.
عودة الحياة
وأبان الكاتب علي سعيد بأن الجائحة أثرت على الحياة الثقافية بشكل كبير، ولكن الملاذ الوحيد كون الكاتب أو الفنان يستطيع العمل من المنزل واستثمار ذلك، كما أن وزارة الثقافة دائما ما تقود المشهد الثقافي، وسيكون لها دور كبير في ضخ ودعم عودة الحياة الثقافية.
ويرى أن من أكثر القطاعات القادرة على العودة إلى الحياة الطبيعية بعد انتهاء هذه الأزمة هي السينما، التي بالفعل بدأت بالاستعداد للعودة لاستقبال الزوار وفق مفاهيم التباعد الاجتماعي، بالإضافة للمسارح التي لديها القدرة على العودة، وقال: من المهم أن تعود بسرعة حتى تعيد للحياة روحها.