والواقع أننا خلال الفترة الماضية استطعنا أن نجعل أعمالنا تسير بشكل شبيه لتلك الفكرة، وأنها قابلة للتطبيق في كثير من الإجراءات والمعاملات والتعاملات والاجتماعات التي أنجزناها عن بعد. وهذا يفتح الآفاق والأفكار على دراسة وتنفيذ مسألة خفض ساعات العمل والعمل عن بعد معا.
وقد طرحت الفكرة منذ زمن مع بداية ظهور وانتشار الإنترنت، ولكنها لم تلق رواجا وإقبالا كبيرا خصوصا من الشركات الكبرى التقليدية. وهذه الأيام أجبر الكثير من القطاعات الخاصة والعامة على العمل عن بعد على مبدأ (مجبر أخاك لا بطل)، ولكن رب ضارة نافعة، فيصب ذلك في مصلحة الذين كانوا ينادون بتقليل ساعات العمل. ولعل الحلول تصبح أكثر نضجا بعد هذه التجربة القصيرة خلال فترة هذه الجائحة (كوفيد 19). فقد أصبح لدينا قاعدة بيانات تجريبية يمكن أن تستخدمها الشركات للدراسة والتطبيق خصوصا تلك التي كانت تؤخر رجلا وتقدم أخرى.
وفكرة التغيير والتطبيق لن تكون سهلة، بل هي كأي فكرة جديدة تحتاج إلى وقت وعدة تجارب، وسيساعد على تنفيذها أن الكثير من الأعمال اليوم أصبحت إلكترونية من خلال الأنظمة والتطبيقات البرمجية، وسهولة وانتشار استخدام البريد الإلكتروني.
والفكرة تقوم على مبدأ مهم وهو فعالية الإنتاج. بمعنى أن بعضا من الموظفين قد يحضر ساعات العمل كاملة، ولكن المحصلة في اليوم هي ساعة إنتاج واحدة أو أقل. وفي المقابل بعض الموظفين قد يكون حضوره أقل من 8 ساعات، ولكن إنتاجيته في اليوم أكثر من غيره. والممكن بسهولة قياس جودة العمل بمقاييس أسبوعية أو شهرية أو نصف سنوية عن طريق تحديد العمل ومدة إنجازه بغض النظر عن عدد ساعات العمل، فالمهم هو سرعة الإنجاز وفعاليته.
ومن فوائد تخفيض ساعات العمل الانخراط أكثر في الحياة الأسرية والاجتماعية، وهذا يؤدي إلى حياة أكثر استقرارا من الناحية النفسية، وهو سيساعد حتما على الإنتاج واكتشاف أفكار أكثر إبداعا. بيتر دراكر الملقب بأبي الإدارة الحديثة يقول في كتابه «مفهوم الشركة»: الشركة نظام اجتماعي وسياسي بقدر ما هي مؤسسة اقتصادية.
ومن الطرائف في هذا الباب أني قرأت في موقع (بي سي سي العربية- 9 مايو 2018) أن كوريا الجنوبية تريد تمرير نظام تخفيض الحد الأقصى لعدد ساعات العمل الأسبوعي ليس فقط من أجل الإنتاجية، بل لتشجيع الموظفين على زيادة المواليد!!
ولا تندهش حين تعلم أن هناك دولا ساعات العمل فيها مرهقة جدا. فمثلا صاغ اليابانيون كلمة جديدة اسمها «كاروشي» أي (الموت بسبب إرهاق وكثرة العمل). والمقصد هو الحل الوسط بدون إفراط ولا تفريط!
وكما ذكرت يمكن دمج فكرة العمل عن بعد مع خفض ساعات العمل، ولعلنا نطلق عليها (hybrid work) أو (العمل الهجين) بمعنى تقليل ساعات العمل المكتبي مع زيادة صلاحيات أكثر للموظف للدخول على نظام الشركة من أي مكان بالعالم من أجل إنهاء المعاملات عن بعد، وإرسال واستقبال البريد الإلكتروني الرسمي في أي وقت.
الواقع أن زمننا يتسارع إلكترونيا، ولكن البيروقراطية تبطئه!
abdullaghannam @