كان العيد السابق بالنسبة لي عالما يخلو تماما من المظاهر الكذابة ومليئا بالعفوية إلى درجة أني أصبحت أمام نفسي نكتة عالم العيد التي أضحك عليها جراء عفويتي وكوني البطل الوحيد آنذاك، فقد كنت أنتظر بشوق ساخن التكبيرات في الصباح الباكر حتى أصدق أن الأجل قد دنا بعد ليل شاق ملأته بملذات نفسي «الأمارة بالسوء» والتي تبدأ من حكايتي مع ساندويشة الفلافل وطعمها الخلاب آنذاك، وثوبي الهزيل وحذائي الهش الجديدين بجانب رأسي واللذين كنت أمتطيهما أثناء الحلم في نومي مع تلك الملذات إلى أن أصحو وأرتديهما لأغتنم فرصة الفرحة التي ستزول قريبا، وبدورها تدعوني إلى أن أزيد من سرعة جريي مقهقها بين المنازل وممراتها الطويلة وجعبتي مليئة بقطع النقود على أمل أن أجد ما يشبع نفسي الأمارة بالسوء كما أسلفت بوصفها، وأصل إلى ساحة الملاهي في وقت قياسي لعلي ألمح مسرحا للدمى وأكون من المتفرجين المحظوظين، أو ربما أستمتع بشغف لمونولوج هزلي من خلف شاشة تلفزيونية لكل من شكوكو وإسماعيل يس -رحمهما الله- كونهما الأحب إلى قلبي عند أهل الفن أو على الأقل أجد بائع صور نجوم العرب وأشتري منه صورا لتكون لي ذكرى بعد انتهاء قصة العيد الجميلة، فلم أتوقع يوما أن تلك الملذات البريئة ستزول وستبقى أحلاما لصغار ذلك الزمن الذين كبرت أجسادهم وبقيت أرواحهم كما هي تعارض التغيير اللا منطقي.
إن المغزى في سردي لهذه القصة هو أنه لم يبق لصغار الماضي من ذلك العيد إلا مشهد حي بذاكرتهم للمتعة التي عاشوها به، أما أنا فقد ورثت من ذلك المشهد البعيد ما لم يرثه الآخرون من الذكريات السعيدة، ولم يبق لي منه أيضا إلا والدتي المسنة التي رحلت بعد أن أوصتني بالمحافظة على هندامي المنمق وموروثي من مجلات ميكي وتان تان، إلى جانب أيام جميلة قضيتها مع صديقي النديم جراء تمردي معه بمزاجية عالية على الأدب المهذب إما بقراءة المجلات التي عرفتني على بعض أسماء الأدباء، أو بتحليل قصائد السهل الممتنع بتلك المجلات، وختاما حتى لا يتغير المضمون سيظل عيد الماضي الأجمل بنظري وأجوائه النقية لا تزال تجبرني على أن لا يكون لدي إلا نفس المضمون في عيد المستقبل، فكل عام ومضمون قصتي بخير.
@SAtolani