تتطلب الروابط الحميمية وجود مسافة صحيحة، عبر قبول كل من الطرفين تمايز الآخر، والتأكد فعلا من صون هذا التمايز، فالقبول هنا لا يعتبر نوعا من التسامح مع الآخر بل احتفاءً باختلافه، ولا ينبغي أن نعلل النفس بالأمل في أن يصل هذا الشخص لمرحلة النضوج ويغدو مثلنا، فحتى تعرف شخصا ما على حقيقته لابد أن تتقبله بكل فردانيته، وألا تترصد تحركاته وتخنق أنفاسه، فالجميع مختلفون عنا بدرجات متفاوتة، والتنوع هو الحقيقة الأكيدة في هذا الكون، ولذلك فإن وضع العلاقة تحت المجهر للتأكد من كمالها هو من المثالية الوهمية، التي تفسد العلاقات، والتغاضي الذكي والمرونة النفسية هي مقومات البيئة الصحية، التي تزدهر فيها القلوب، وإذا كنت ترغب في تجديد علاقتك العاطفية حاول تدريب نفسك على التوقف التدريجي عن إصدار الأحكام سرًا وجهرًا على شريكك، وذكّر نفسك في بداية الصباح بأن «هدفي اليوم ألا أصدر حكمًا على شريكي»، كما يعتبر خبراء العلاقات أن النصيحة الأهم للأشخاص الراغبين في إقامة علاقات سعيدة هو قيام كل منهما بحماية عزلة الآخر، وعزلته الخاصة بالطبع، فلا يمكن للطرفين أن يلتقيا بشوق دون انفصال طوعي يحمي فردانيتهم، وقد تكون أكثر مسببات النكد في العلاقات هو ذلك الاعتماد العاطفي الخانق على الشخص الثاني، وهي حالة تسمى خطأً بأنها حب، بالرغم من أن هذه الروابط الانفعالية المستعصية تفتقر لمقومات الحب الحقيقي، والبهجة التي يشعر بها الإنسان تجاه الطرف الآخر كما هو، بحكم طبيعته وباعتباره كائنا مستقلا، فهذا الحب الخانق هو حب زائف يسعى لحرمان الطرف الآخر من مساحته الخاصة، وأصحاب هذا النوع من الحب يحرصون على تأمين حاجاتهم الخاصة من العلاقة بدرجة أكثر أهمية من ذات الإنسان الذي يحققها، والأمر أشبه بموقف الرضيع، الذي لا يهتم بمَنْ يقدم له الحليب ويهدهده طالما أن هناك مَنْ يقوم بذلك، فالعلاقات الاعتمادية لها هدف واحد هو الحصول على مشاعر تهدئ من الألم النفسي الناتج عن الجوع للحب، بسبب الحرمان العاطفي في الطفولة، نتيجة النشأة في أسرة مختلة الأدوار، مما يؤدي لعلاقة قهرية - إدمانية، ولا يمكن توقع السعادة والاستقرار في هذه العلاقات، فهي تخالف القانون النفسي والروحي، الذي يؤكد أن الاستقرار ينبع من داخل الإنسان نفسه وليس من الخارج.
LamaAlghalayini@