بالطبع خضع الادعاء العام في الولاية إلى المطلب الأول، الذي هو من صلاحياتهم، وقاموا بتوجيه التهم للثلاثة الآخرين، الذين كانوا شهوداً ومعاونين على الجريمة، التي اقترفها ضابط الشرطة، دون أن يكون الضحية قد قام بالمقاومة. وفي وقت لاحق، تفاعلت الدوائر الفيدرالية، وكذلك المجالس التشريعية، لتلافي الأضرار الكبرى التي يمكن أن تحدثها هذه القضية على الاقتصاد والأمن والوئام الاجتماعي في البلاد بأسرها. فبعد قرابة أسبوعين على الحادثة، أصدر الكونجرس قراراً بتخفيض تمويل الشرطة؛ وهو قرار لا يهدف إلى إضعاف قدرات الشرطة المالية، بقدر ما يمثل ضغطاً سياسياً على صانعي السياسات الفيدرالية والمحلية، فيما يخص عقيدة الشرطة من جهة، ومدى كفاءة إدارات الموارد البشرية فيها في استقطاب الكوادر ذات المقدرة المهنية والحصافة العقلية للتعامل مع الأفراد والقضايا الأمنية بحس مهني وتدريب جيد والتزام بالقوانين.
وبالطبع أصبحت أيضاً هذه الأزمة قضية انتخابية بين الحزبين ومرشحيهما؛ فالرئيس رفض المساس بتمويل الشرطة، وأشار إلى أنه قد يوجد بعض الأفراد السيئين في الشرطة، لكن أغلبهم جيد (وكان كعادته في المبالغات يشير إلى أن الجيدين منهم 99%)؛ أما المرشح الديمقراطي، فقد شكك في جدوى تقليص التمويل، لكنه أشار إلى ضرورة سن القوانين الواضحة، التي تحد من حالات التعدي على الناس، واستخدام القوة المفرطة دون ضرورة. فهل ستتجاوز تبعات هذه القضية تلك الاحتجاجات، وما صاحبها من عمليات سلب ونهب، استدعت جلب قوى الحرس الوطني في عدد من الولايات، وبعض قوى الجيش في العاصمة واشنطن؟ وتبقى قضية اجتماعية ساخنة حتى بعد انتهاء المعركة الانتخابية في نوفمبر القادم؟ الواضح أن كثيراً من المواطنين، خاصة أغلب ذوي الأصول الأفريقية، وبعض الفئات التي تهمها العدالة الاجتماعية، قد سئمت تكرار تلك الحوادث، وتبرير كل تلك القضايا بأنها تُحل في المحاكم. فإذا استمر الشارع في الغليان ضد تجاوزات الشرطة، حتى بعد انتهاء الانتخابات، فإن جورج فلويد سيكون قد خلّده التاريخ، بوصفه الشخصية الثانية بعد مارتن لوثر كنج، الذي قاد تظاهرات مناهضة العنصرية في الستينيات، وأحدث فارقاً كبيراً.
falehajmi@