ما إن صدر قرار العودة بحذر حتى تبادرت لذهني قصة فاتح الأندلس وصانع المجد الذي أطلق اسمه على الجبل والمضيق المهم الفاصل بين أوروبا وأفريقيا القائد طارق بن زياد عندما نزل بجيشه في إسبانيا وأراد حث جنوده على الاستبسال وعدم التفكير في العودة للوراء، فقرر حرق السفن وخطب فيهم خطبته الشهيرة التي قال فيها المقولة الخالدة: «أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا الصدق والصبر».
لقد توقفت الحياة في هذه الشهور القليلة الماضية وانعزل الناس في منازلهم وأقفلت المحلات، توقفت الكثير من الشركات ومعها توقفت الأعمال والمصالح في محاولة للسيطرة على انتشار الوباء مما سيؤثر على اقتصاد الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. ولا يخفى علينا إمكانية أن يتضرر اقتصادنا لو استمر توقف الأعمال أكثر من ذلك. وها نحن نوضع في نفس الاختبار الذي وضع فيه جيش طارق بن زياد فإما الحرب والانتصار أو الغرق، حيث نعيش حالة مشابهة، فتوقف اقتصادنا من أمامنا وكل ما يمكن أن يتبعه من إفلاس شركات، فقر، بطالة وغيرها والعدو وباء كوفيد 19 من خلفنا، فإما أن تبقى الحياة متوقفة فينهار اقتصادنا ويتأثر مدخول الكثيرين أو مجابهة العدو العنيد الذي اجتاح العالم والتغلب عليه. وبما أنه لا لقاح اكتشف حتى الآن فليس لنا إلا العودة لحياتنا الطبيعية والعمل لإنعاش اقتصادنا من جديد لكن بالالتزام بالإجراءات الوقائية بجدية وبحذر شديد.
بعد الحملات التوعوية المكثفة جدا التي قامت بها الدولة - حفظها الله- مستخدمة كل السبل المتاحة لتعليم وتثقيف المواطنين بكل ما يتعلق بوباء كوفيد 19 وذلك بالترغيب تارة عن طريق وسائل الإعلام المرئية، المسموعة والمقروءة، وبالترهيب تارة عن طريق فرض الغرامات المالية على مخالفي التقيد بالتباعد الاجتماعي وإجراءات السلامة الاحترازية، فمن المفترض أن نكون جاهزين وقادرين على العودة لحياتنا ونشاطاتنا السابقة بدون مخافة ازدياد حالات الإصابة. وقد قامت الدولة بكل ما تستطيع لحماية مواطنيها وهاهي الآن تراهن على وعي أبنائها وقد حان الوقت كي نثبت وطنيتنا، نضجنا وإحساسنا بالمسؤولية وذلك بالعمل الجاد والدؤوب لنعود لحياتنا الطبيعية مع التقيد بكافة سبل الوقاية والسلامة.
وأعود وأذكركم بنصر المسلمين الكبير سنة 711 ميلادية عندما فتحوا الأندلس وكان بداية للتواجد الإسلامي في الأندلس والذي امتد لثمانية قرون بعد ذلك وبنهاية خطبة طارق بن زياد اختتمها قائلا: «واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلا استمتعتم بالألذ طويلا».