ولكن ما أردت أن أركز عليه أكثر هو تلك المداخلات التي جاءتني على "توتير" تعليقا على ذلك الاستفتاء المقتضب. وأهم نقطة دار الحديث حولها هو أنه ليس المهم عدد الكتب التي نقرؤوها سنويا، بل المهم هو الكيفية والنوعية.
وابتداءً علينا أن نفرق بين أنواع القراءات لأن التعميم في الكلام غالبا لا يعطي جوابا دقيقا. فمن القراء من يتخذ القراءة لتسلية فقط وبدون منهجية. وفي هذه الحالة نشجعه على الاستمرار بغض النظر عن الهدف لأن المقصد في هذه المرحلة هو التعلق بالكتاب والقراءة. وبعد فترة سيبحث تلقائيا عن المنهجية القرائية لأنها ستصبح عادة، وذلك ما نصوب إليه. وقد قال الحافظ ابن عبدالهادي عن شيخه ابن تيمية: «لا تكاد نفسه تشبع من العلم ولا تروى من المطالعة».
وأما أولئك الذين تحدثوا عن الكم مقابل الكيف، فإني أرى أن الإنسان إذا وصل إلى مرحلة البحث عن اكتساب معرفة وتطوير الفكر، وتوسيع المدارك، فلا بد من الدخول إلى المرحلة المنهجية بمعنى أن يكون لديه قائمة سنوية متنوعة في الثقافة والعلوم. ولا بد أن يكون جزءا من الروتين اليومي كمثل: الأكل والشرب. وهذه المرحلة بالذات لا تتأتى إلا بالحرص على الكمية خصوصا أولئك الذين ينشدون أن يتركوا أثرا على مستوى كتابة المقال أو القصة أو الرواية أو التأليف بأشكاله المختلفة. وبالمناسبة، البعض يسأل كيف أؤلف كتابي الأول؟ وأول الطريق الاهتمام بالكم والجدية في القراءة.
ولعلي أشير إلى بعض من الشواهد حتى تتضح الفكرة. فمثلا عباس محمود العقاد قرأ 60000 كتاب وأنتج أكثر من 80 كتابا. والشيخ الأديب علي الطنطاوي قال: إنه قرأ ما يقارب من 2.5 مليون صفحة! وأنتج أكثر من 15000 صفحة ما بين مقالات وكتب. وابن الجوزي قرأ 20000 مجلد وأنتج ما يقارب من 29 كتابا ومصنفا.
ونحن نتذاكر مثل هذه الإنجازات والأمثلة؛ من أجل التشجيع لا من أجل التثبيط. ومن أجل رفع سقف الهمم لأن السر هو الاستمرارية بشكل يومي في القراءة (كان الوزير الفتح بن خاقان يقرأ وهو يمشي ذهابا وإيابا إلى الصلاة أو قضاء الحاجة) ثم يأتي بعدها الاهتمام بالإنتاج الكتابي بأنواعه.
وحتى حين ينخرط القارئ في الكم المقروء ستظل معرفة الهدف ضرورية. فقد يكون من أجل الثقافة العامة والمعرفة أو الكتابة والتأليف أو غيرها من الأسباب. ولكن سيظل هدفنا العام هو نشر ثقافة القراءة بين أطياف المجتمع حتى لو اختلافنا في النوعية أو الكمية.
ولعل المتأمل والمتفائل يجد أن هناك إمكانية للنهوض ونشر ثقافة القراءة في المجتمع وذلك قياسا على الكثير من الساعات المهدرة في مطالعة كميات مهولة من الرسائل والنصائح والمقولات على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا المثال المذكور يبين أننا نقضي أوقاتا كثيرة في القراءة والمطالعة، ولكنها صُرفت في غير محلها.
ومن وجهة نظري يظل الكم في القراءة مهما لأنه لا يخلو كتاب من فائدة! وستكون المحصلة النهائية هي الارتقاء بالفكر، وتوسع المدارك، وتقبل التنوع والاختلاف.
abdullaghannam@