وأضاف الشيخ الشريم في خطبة الجمعة أمس إن الدنيا دار الممر لا دار المقر، والناس فيها صنفان: من باع نفسه فأوبقها، ومن ابتاع نفسه فأعتقها، وأن أولها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب وحرامها عذاب، من استغنى فيها فتن ومن افتقر حزن، فإن ذوي الألباب إذا امتحنوا الدنيا تكشفت لهم حقيقتها بعد إغراء، وأن اللهث وراها مغبته عناء، وكم من مغرم بطلابها زورت له خصوما في ثياب أصدقاء، هذه هي حقيقة الحياة.. تقلب وغير وزوال ونوائب، لا دوام فيها ولا بقاء، فما جعل الله الخلد فيها لبشر قط، وإن دنيا هذه صفتها ليست جديرة بأن يشغل العبد نفسه بها عما هي أدوم منها وأبقى، ولا أن يطلق لعينيه العنان يمدهما إلى ما متع الله به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ليفتنهم فيه، ولا تستحق أن يوالي عليها أو يعادي، ولا أن يخاصم ويناكف، ولا أن يتحسر عليها حتى يكون حرضا أو يكون من الهالكين.
مسرح الحياة
وأوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام، أن الدنيا مسرح الحياة وعرصاتها، جعلها الله ذلولا للناس ليمشوا في مناكبها ويأكلوا من رزقه ولا يسرفوا فيها، ولا يجعلوها أكبر همهم، ولا مبلغ علمهم بالتنافس فيها والاقتتال عليها، والتياثهم بما خشيه عليهم نبي الرحمة والهدى، وبين د. الشريم أن من تأمل حقيقة الدنيا وجدها مطعوما ومشروبا وملبوسا ومركوبا ومشموما، فأشرف المطعومات العسل وهو مجاج نحلة صغيرة، وأشرف المشروبات الماء ويستوي فيه البر والفاجر، وأشرف الملبوسات الحرير وهو نسج دودة حقيرة، وأشرف المركوبات الفرس وعليه يقتل صناديد الرجال، وأشرف المشمومات المسك وهو دم في سر غزال.
دين الوسط
وقال: إن الإسلام دين الوسط بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، وأن نظرة الإسلام إلى الدنيا كذلكم، فإنه لم يذمها ولم يدع إلى هجرانها إلا إذا كانت فيما يبعد عن الله والدار الآخرة، فإن ذلك خروج من دائرة الوسط، فإهمالها مطلقا ضيق عطن في النظرة إليها، والانغماس فيها مطلقا اغترار بها عن مغبتها، والتنافس فيها محفوف بمخاطر لا يتفطن لها كثير من المتنافسين فيها، وإنما ذم التنافس فيها لأنه يورث الأشر، وبطر الحق وغمط الناس، إنه التنافس الملهي لا المعين، المنسي لا المذكر، المقدم لا المؤخر، فكم شغل التنافس عن واجبات، وألهى عن مساعي الآخرة الباقيات، وكم فرق من مجتمع وأنشأ من خصومات، وكم طمس معايير الإيثار والتآلف، وكم قضى على صحة وشرف وعدل وعاطفة، غير أن المؤمن القوي فيها خير من المؤمن الضعيف، ومن استعملها فيما يرضي خالقه جمع بين خيرين، ثم إن ذم التنافس فيها لا يعني حرمان المرء نفسه مما أفاء الله عليه من نعيمها. واختتم الشيخ الشريم خطبته مبينا أن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، مهبط وحي الله، ومصلى ملائكته، ومساجد أنبيائه، ومتاجر أوليائه، ربحوا فيها الرحمة، واكتسبوا فيها الجنة.
معيار الفضل
وفي المدينة المنورة أوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالله البعيجان أن للصلاة على النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- من الفوائد ما لا يحصى، ومن الآثار ما لا يحصر، وفيها من مصالح الدنيا والآخرة ما لا يستقصى، وذكر فضيلته في خطبة الجمعة أن الله تعالى يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، وقد اصطفى محمدا -عليه الصلاة والسلام- من أنفس المعادن والأنفاس، وأكرمه وفضله على سائر الناس، وجعل هديه معيارا للفضل والمقياس.
وسائل النجاة
ومضى قائلا: إن من حق نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- علينا، مكافأة بإحسانه إلينا، وإفضاله علينا، الصلاة والسلام عليه، فالصلاة عليه من أعظم وسائل النجاة، وأنفس الصلات، وأعظم القربات، وأزكى الطاعات، وأجل ما تعمر به الأوقات، وتضاعف به الحسنات، وترفع به الدرجات، وتمحى به السيئات، وتكشف به الهموم والغموم والكربات، وتضاعف من الله بعشر صلوات. وأضاف إن شهادة التوحيد هي شعار الإسلام، وعنوان الإيمان، ورمز الأمان، وجملة الأذان ترددها المآذن كل يوم على الآذان: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، ولا ينعقد الإيمان بإحدى الشهادة إلا مقرونة بالأخرى، فتوجب علينا بشرع الله وبحقه علينا وحرصه على نجاتنا أن تمتلئ القلوب بمحبته وتقديره وتوقيره، واتباع سنته وطريقته -صلى الله عليه وسلم-، والإكثار من الصلاة عليه.