إن قوتنا النفسية لا تكمن فقط في مقدرتنا على تخيل أيام أكثر إشراقًا في المستقبل، بل في تمكننا في اللحظة الحاضرة من طرد أي فكرة كئيبة أو شعور يقلص سعادتنا، فنحن نزدهر كلما حررنا أنفسنا من كل ما يخنق نمونا، ويبدأ هذا الوعي بالسماح بالرحيل بداخلنا بانتباهنا التدريجي لما لم يعد يخدمنا، والنية الداخلية على التحرر منه، وإدراكنا بأن التشبث بالحلول القديمة لم يعد يجدي نفعًا، فلا جدوى من استنشاق الهواء دون وجود الزفير كنقيض، ولهذا يمكنك التفكير في السماح بالرحيل كجزء من تنفس الحياة نفسها، لكن خوفنا الأكبر من السماح بالرحيل يكمن في اعتقادنا بأننا إذا ما سمحنا بالرحيل سنواجه قدرنا المحتوم وسنقع بالظلام ونسقط في هاوية المجهول، وعدم معرفة ما الذي سيحل بنا، وهي المنطقة المرعبة التي نعتقد بأنه لا مهرب من مواجهتها، في حين أن هذا افتراض خاطئ مبني على إدراك خاطئ يماثله، وهو افتراض مقيد يفصل بيننا وبين رحابة الحياة اللامحدودة، لأن الطريقة الوحيدة لحل أي صعوبة هي في عدم العيش في مستواها على الإطلاق، ومَنْ يشعر بالألم لا بد أن يتجاوز في المقام الأول مخاوفه التي أوجدت المشكلة، لكن محاربة الخوف تشبه محاولة تسديد ضربة قاضية لشبح خائف، فكل ما تفعله هو إنهاك نفسك، ولتهدئة الخوف وتجاوزه عليك نسيان فكرة السيطرة، والتعامل مع مفهوم التنوير الذاتي، بالتجرؤ على شجاعة الرغبة في فهم ما يخيفنا دون القلق من عدم وجود خيارات أخرى، لأنك لو استطعت المضي قدمًا ومواجهة مخاوفك بوعي، سترى أن ما يرتجف هو ليس أنت في الواقع، والحقيقة التي ستلمسها بنفسك بوضوح في كل مرة تجسر فيها على السماح بالرحيل أنك لن تسقط في الهاوية، بل سترتفع في الفضاء الروحي، فالطائرة الورقية عند قطع خيطها تحلق عاليًا وترتفع في عرض السماء لأن هذه هي طبيعتها، ونحن كذلك خلقنا لنكون أحرارا من كل ما يقيدنا، وإن أوهامنا اللامنطقية هي في الغالب السبب الأساسي لتعاستنا، فالتحرر من أعباء الزيف الاجتماعي، والتسامح مع خلافات قديمة، والتوقف عن اللوم والرغبه في تغيير من حولنا، والإحساس المتنامي بالرحمة والسلام الداخلي، كلها هبات تأتي لمَنْ يتعلمون السماح بالرحيل، وهو اكتشاف روحاني يمنح حياتنا الكثير من الإشباع.
LamaAlghalayini@