أحد أمثلة الثبات وعدم القدرة على التخلي عن المنظور الواحد هي صورنا الذاتية (السيلفي) والتي يأخذها البعض من زاوية واحدة دوما «الزاوية الجميلة» لأننا لا نعتقد أن غيرها مقبول. هل تغيرنا على الآخرين لأننا لم نظهر الباقي؟ هل يعرفون ما نخفي؟ أم أننا نخجل من أنف هو نفسه وإن كان بزاوية أخرى؟
إن كنت تقرأ وتظن أن هذا المثال تافه ولا ينطبق لعلك تنظر بتمعن لأمور تحرص على أن تظهر بطريقة معينة من حولك. فالأمثلة عديدة، متى آخر مرة غيرت بها رأيك بعد أن حاول أحدهم إقناعك؟
تعلمت عند رسم المنظور أن هناك مسميات خاصة لها حسب ارتفاع مستوى النظر. فالمنظور الطبيعي يرسم باعتبار نقطة التلاشي على ارتفاع متر ونصف المتر كمتوسط ارتفاع مستوى النظر وبهذا يكون المنظور المرسوم أقرب للواقع بعد تنفيذ التصميم.
عدا زاوية الرؤية تلك هناك منظوران أعجباني لما لهما من قدرة عجيبة على تغيير الصورة بشكل جذري. الأول هو منظور عين الطائر ويتم رسمه بزاوية الرؤية من الأعلى فنرى الأسطح العلوية والصورة الواسعة وارتباطات وعلاقات الأشياء وتتلاشى التفاصيل. أما من منظور النملة فنرى المحيط وكأنه مصور من الأرض فتقرب الأشياء وتكبر وتحجب غيرها وقد يصبح المحيط خانقا لا نعلم معالمه الواسعة. هل تذكر مثلا كيف كنت ترى بيتك كبيرا عندما كنت طفلا لتعود بعد سنوات وتستشعر الفارق وتدرك صغره؟ هذا ما حصل لي.
لعل الدرس هنا هو أن الأمور تختلف حسب قربنا أو بعدنا منها وكذلك الزاوية التي نرى منها.. هناك عاملان مهمان لفهم وجهات نظر الآخرين ليصبح لدينا إمكانية الحوار والاتفاق.. اقترب لترى من زاويتي ودلني على زاويتك لأرى ما ترى. نظرتنا وآراؤنا للأمور لا تغير في الأمور شيئا بل هي مجرد طبقة من المعاني والآراء التي نضيفها على الواقع. انتقالنا من منظور الطائر إلى منظور النملة يتطلب مرونة فكرية ورغبة في التقارب وشغفا في الفهم، هذا الانتقال الفكري مفيد كذلك لفهم موقعنا في الحياة، فأحيانا نتغافل عن تلك الصورة الكبرى ونظن أننا عالقون دون مخرج قريب، لا ندرك من محيطنا إلا منظور النملة. والعكس صحيح عندما نتجاهل تفاصيل مهمة لأننا لم نتعمق بما فيه الكفاية ليحلق الطائر من مسافة أقرب إلى الأرض.
@sssolaiman