ذكر أبو أحمد العسكري في كتابه المصون في الأدب: أن رجلاً كلم يحيى بن خالد البرمكيّ في رجل أن يولّيه، فقال يحيى: إنّا لا نشرك في أماناتنا ولا ينسب إلى عقولنا أفعال غيرنا، ولا نسترعي رعيّة أمير المؤمنين إلا المستحقين الذين توجب لهم المعرفة المنزلة، ولست أعرف هذا الرجل بالكفاية فأشفّعك في أمره بالإجابة، ولا بغيرها فأردّك عن مسألتك، فإن أحبَّ ما عندنا حضر لننظر ما عنده، فإن كان مضطلعاً بالولاية ناهضاً بثقلها، زينةً للسّلطان وعذراً بينه وبين الرّعية، ولّيته قدر ما يستحقّ وإن كان مقصّراً عن ذلك قضيت حقّه عنك بصلةٍ تكون كفاءً لما أمّلته له.
ليتنا نتعامل مع الواسطات بنفس منطق يحيى، فبعض الواسطات دمارٌ على طالبها وحاملها والمحمولة إليه، بل والمجتمع بأكمله، فهي دمارٌ على المجتمع لأنها سببٌ في إسناد الأمر إلى غير أهله، ودمارٌ على حاملها لأنه ابتلى الناس بمن لا يستحق وتسبب في حرمان من يستحق، ودمار على محققها لأنه يكسب ذنباً بدلاً من أن يكسب الأجر، ويُدعى عليه بدلاً من أن يُدعى له، وإن كان قد كسب رضا شخص فقد خسر سمعته لدى أشخاص، ودمارٌ فوق ذلك على طالبها فمن يتولى ما لا يستطيعه يعش في الفشل طوال حياته.
لن نقضي على الواسطات وستبقى في مجتمع مترابط مثل مجتمعنا، فأفضل الناس ما بين الورى، من تقضى على يده للناس حاجات، ولكن نتمنى أن تكون الواسطة: وفق الأنظمة واللوائح، وألا يكون فيها إضرار بأحد، وأن يملك من تُبذل من أجله ما يشفع له من قدرات، ومن يتولى المسؤولية إن لم يستطع قول: لا! لمن لا يستحق فهو لا يستحق المكان الذي هو فيه.
بقي أن يدرك من يقبل الواسطات وينفذ ما يريده الآخرون بحثاً عن تخليد اسمه بين الكرام وطمعاً في النجاة في الدار الآخرة بأنه يستحق ذلك فعلاً لو كان يبذل من ماله ومال أبيه، أما في الحق العام فهو مسؤول أمام كل فرد من أفراد المجتمع في الدنيا والآخرة.
رجاءً اشفعوا تؤجروا، ولكن احذروا من شفاعة بها تؤزرون.
shlash2020@