تظل للمعلم في كل المجتمعات، وعلى مدى العصور مكانة رفيعة؛ لما يؤديه من دور في نشر المعرفة، وإعداد الناشئة للحياة، وبناء مستقبل الأمم وحاضرها، وإلى جانب الموروث الحضاري للأمة، الذي يُعلي مكانة المعلم ومنزلته في الدولة والمجتمع، فقد عنت المملكة منذ تأسيسها باحترام المعلم وتقديره، وتهيئة أفضل الظروف له لأداء دوره المهم في المجتمع، والمتتبع لمسيرة التعليم في المملكة منذ عهد الملك المؤسس، يلمس هذا الاهتمام سواء على صعيد اختيار المعلمين، أو إعدادهم، أو تدريبهم، أو توفير سبل الحياة الكريمة لهم.. يلمس هذه الجهود التي كان واقع التعليم اليوم هو أبرز مخرجاتها سواء من حيث توطين مهنة التعليم في كل المراحل، أو نشر التعليم في كل المدن والقرى والهجر بما في ذلك تعليم البنات، الذي بدأ منذ أكثر قليلاً من نصف قرن من الزمان، استطاعت خلاله المرأة لا أن تلحق بإخوتها من الشباب، بل أن تكون منافسًا كفؤاً لهم في كل المجالات، والحديث عن تعليم المرأة في المملكة، ومسيرته، ونتائجه، حديث يطول ويحتاج إلى صفحات وصفحات. ومما يبعث على الاعتزاز، أن المعلمين من أبناء الوطن استطاعوا أن يستجيبوا بكل كفاءة لتحديات الثورة التكنولوجية المعاصرة، واستخدام تقنيات التعليم والتعلم الإلكتروني بكل كفاءة واقتدار، وقد ظهر ذلك جليًا عندما اضطرت دول العالم ومنها المملكة إلى التحول للتعليم (عن بعد) بسبب جائحة كورونا، التي أصبح توقف التعليم الصفي التقليدي فيها من أهم ضرورات مكافحة انتشارها، حيث كانت الاستجابة لذلك أسرع مما توقعنا جميعًا. ومع ذلك كله فقد ظل هاجس العناية بالمعلم والارتقاء به هاجسًا دائمًا لدى ولاة الأمر -أيدهم الله-، حيث أكد خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين -يحفظهما الله- في أكثر من مناسبة على إعلاء شأن المعلم، وتحسين ظروفه المادية، وإعلاء منزلته الاجتماعية، وكذلك تنفيذ برامج التدريب، والتأهيل، والتقييم، ووضع الحوافز والمكافآت، وفرص الابتعاث الكفيلة بتحسين أدائه؛ لأهمية ذلك كله في تحسين مخرجات التعليم؛ ولذلك فإن لائحة الوظائف التعليمية الجديدة، التي استمر العمل من أجل إعدادها سنوات طويلة، تضع كل هذه المقاصد في مقدمة اهتماماتها، فهي تتضمن العديد من المزايا لكل عناصر العملية التعليمية في الوقت، الذي حافظت فيه على المكتسبات، والامتيازات التي حصل عليها المعلمون والمعلمات تتمة لما سبقها من اللوائح، ومن هذه المزايا إمكانية ترقية المعلم بنفس رقمه الوظيفي، وهي بذلك تزيح عن طريق ترقيته عقبة كانت تتمثل في شرط وجود شاغر على المرتبة الأعلى، كما أن اللائحة تحقق شرط المساواة في الحوافز، مما يشجع شاغلي الوظائف التعليمية على التنافس، والتميز، والتركيز على معايير هذين المجالين، كما أضافت اللائحة مكافآت للوظائف الإشرافية، والقيادية في المدارس، وفي نفس الوقت عنيت بتطبيق معايير الجودة على أداء شاغلي الوظائف التعليمية، خاصةً في مجال القيادة والإشراف، مما يجعل القيادة المدرسية مبنية على معايير مهنية محددة بما في ذلك تمكين من خدم عشر سنوات من الوصول خلال العامين القادمين إلى رتبة خبير، وفي نفس الوقت، فقد أكدت اللائحة ضرورة عدم تأثر راتب المعلم أثناء تسكينه على السلم الجديد سلبيًا في أي حال من الأحوال، بل وإمكانية زيادته.. وإذا كانت هذه هي أهم ملامح لائحة الوظائف التعليمية الجديدة، فإنه من المؤكد أنها تحمّل المعلمين مزيداً من المسؤولية في مقابل هذا الاهتمام، الذي توليهم إياه الدولة، وهم بالتأكيد أهلٌ لذلك، ولن يكونوا إلا كما عهدهم الوطن والقيادة، أبناءً مخلصين لوطنهم وأمتهم، وإن غداً لناظره قريب.