الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي وجهت بها حكومة المملكة منذ بداية جائحة كورونا المستجد (كوفيد 19) رسمت ملامح خطة إدارة أزمات نموذجية لم يدركها أكثر البلاد تقدما، ووقف العالم لها احتراما وأمامها مبهورا، وسجلها التاريخ بأحرف من ذهب، وحين نمعن في الحيثيات المرتبطة بالإستراتيجيات التي اتبعتها المملكة نكتشف أنه ثمة عوامل رئيسية قامت عليها هذه الجهود وبالتالي تحقق معها ذلك الاتزان والسيطرة والثبات في إدارة الحياة رغم الآثار التي تسببت بها هذه الجائحة، والتضحية كانت عنوان المرحلة وكذلك حسن التدبير والرعاية والنظرة الشاملة والدقة في رصد الحلول الاستباقية لكافة التحديات والتشعبات التي يتضمنها الموقف رغم صعوبتها وكثافة مساراتها.
الارتباك الاقتصادي الذي تسببت به الظروف التي صاحبت هذه الأزمة العالمية تسبب في حيرة عارمة حول أفضل الطرق لإعادة فتح الأنشطة وفي ذات الوقت مواجهة تحدي أن انتشار الفيروس لا يزال نشطا، ولعل فيما تم الإعلان عنه من قبل حكومة المملكة العربية السعودية انطلاقا من حرصها على اتباع أعلى المعايير الصحية وأدق الإجراءات الاحترازية، خلال إقامة شعيرة الحج هذا العام بأعداد محدودة جدا، وذلك حفاظا على صحة حجاج بيت الله الحرام، وضمان توفير أفضل الخدمات الصحية لهم، وإصدار المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها «وقاية» SaudiCDC البروتوكولات الصحية الخاصة بالوقاية من مرض (كوفيد 19) لموسم حج 1441هـ، التي شملت الضوابط عامة لمقدمي الخدمة، وضوابط فيما يخص العمائر السكنية، وأماكن الطعام والحافلات ومحلات الحلاقة الرجالية، وكذلك فيما يخص عرفة ومزدلفة وكذلك فيما يخص الحرم المكي، وكذلك إبراز الجانب التوعوي ووضع لوحة تتضمن بيانا بالأفعال المخالفة وطريقة الإبلاغ عنها، وإنشاء قنوات تواصل للإبلاغ عن أي خرق للاشتراطات والإبلاغ عن المخالفات وذلك للعمل على تجنبها، ويكون المسؤول عنها أحد الموظفين، وتدريب مسؤولين في نقاط الفحص على طريقة الفحص واستخدام جهاز قياس درجة الحرارة، وتكليف مراقب صحي للتأكد من تطبيق الاشتراطات والإرشادات ومتابعة الوضع الصحي للحجاج، وإجراء تدريبات إلزامية عن الصحة والسلامة بشأن مرض كوفيد 19 لجميع الموظفين والقائمين على مسار الحج.
هذه البروتوكولات والتي تأتي استجابة لطبيعة التحدي الاستثنائي المصاحب للظروف التي يعود فيها موسم الحج والذي رغم الإجراءات الاحترازية التي ارتبطت بأعداد المؤدين له هذه السنة، فهو لا يزال أكبر تجمع إسلامي وبشري بشكل عام، بالتالي فالبروتوكولات المعلن عنها بقدر ما هي مخصصة لهذا الركن فهي بروتوكولات ينظر لها البعيد قبل القريب لاستلهام المزيد من سبل الوقاية وإدارة الحشود والتجمعات بصورة تضمن السيطرة على انتشار الفيروس، فهنا يتجدد مفهوم القدرة السعودية والنموذجية في إستراتيجيات التخطيط للدولة مهما بلغ سقف التحديات أو المتغيرات المصاحبة لها.
[email protected]