ألححت عليه عدة مرات، مما جعله يستسلم أخيراً ويوافق. وعندما سأل الوالد أصحاب القوافل عن إمكان مرافقة ابنه لهم، اعتذروا بأنه لا مكان له، إلا إن كان سيسير على الأقدام. حاول والده حينها ثني ابنه عن الفكرة، ومدى صعوبتها وخطورتها، لكنه أصر على إكمال ما عزم عليه. فاتفق مع أصحاب قافلة متجهة إلى الكويت على مصاحبته لهم، وسار معهم في الوقت الذي حددوه له. يقول: وصلت إلى الكويت، وبقيت أياماً عند بعض العائلات النجدية الموجودة هناك، ريثما أجد عملاً. لكني كنت أقف في نفس المكان الذي يقف فيه طالبو العمل، ويأتي أصحاب الأعمال، فيختارون غيري، ويتركونني، لصغر سني وضآلة جسمي. واستمرت الحال بهذه الطريقة قرابة أسبوعين، فضاقت بي الدنيا. وكنت في أحد المساجد، قد رآني الإمام مهموماً؛ فسألني عما بي من همّ، فقلت له: إن وضعي كيت وكيت! فهل تعرف لي أي عمل يمكن أن أقوم به؟
قال: أنت صغير، ولن تقدر على ما يقوم به الرجال، الذين يسعى أصحاب الأعمال أن يأخذوهم لأعمالهم، لكن ما الذي تستطيع عمله؟ قلت له: أنا أعرف كل شيء في الفلاحة، وكنت أقوم بكل الأعمال في مزرعة والدي. فردّ عليّ حينها: أوه، أجل ليس هذا مكانك، ليست هنا مزارع، ولا أعمال مما تجيدها. فعليك إذن أن تتجه إلى العراق! فقلت له: العراق؟! ويني ووين العراق؟! لكني بقيت أفكر في الأمر، وأسأل كيف يمكن الاتجاه إليه، وما الوسائل للوصول إلى هناك؟ وبعد عدة أيام، ويأسي من الحصول على عمل في الكويت، بدأت أفكر أنها ربما تكون المخرج الوحيد لي من هذه الورطة، وأخذت في التخطيط فعلياً لذلك. وفي الجزء التالي (في المقالة القادمة)، نكمل الباقي من القصة، وتعليقي عليها.
falehajmi@