شهد النصف الثاني من العام الدراسي الماضي في جميع دول العالم تطورات لم يسبق لها مثيل مع انتشار وباء كورونا، وما تبع ذلك من إجراءات احترازية لمحاولة منع تفشي هذه الجائحة، التي لم يسلم من شرورها بلد في العالم من الصين شرقا إلى أمريكا غربا، وبدأت دول العالم مع استمرار تفشي هذا المرض، وضرورة بذل كل جهد ممكن للحد من انتشاره، بترتيب الحياة اليومية للمواطنين، بدءا من منع التجول الشامل، وصولا إلى المنع الجزئي، وإغلاق المناطق والمدن والأسواق، وتوقف الأعمال في سائر المجالات، مما خلف آثارا اجتماعية واقتصادية عميقة، لم تقل آثارها في أغلب الأحيان عن الآثار الصحية على البشر، وكان التعليم من أكثر القطاعات التي لقيت اهتمام الدول والحكومات، بسبب أهميته في حياة الأمم ومستقبلها. وقد استطاعت الجهات التعليمية في المملكة سواء التعليم العام أو التعليم العالي، أن تستجيب للظروف المستجدة، وتتعامل معها بما يحقق مصلحة الطلاب على أفضل وجه ممكن، فقد تحولت المدارس والجامعات إلى التعليم عن بعد ساعدها في ذلك ما شهده التعليم في السنوات الماضية من تحولات إيجابية في مجال استخدام التقنية في التعليم، وامتلاك كثير من المعلمين والطلاب لمهارات الحاسب الآلي، واستخدام الوسائط الاجتماعية في عملية التعلم، واستطاعت مؤسسات التعليم، أن تتعامل مع المدة الباقية من العام الدراسي على هذا الوجه بما في ذلك عمليات التقويم للنتائج، التي وضعت لها الوزارة قواعد وأسسا حاولت من خلالها المحافظة على مصلحة الطلاب، وتحقيق أفضل ما يمكن من هذه النتائج، ومع اقتراب بدء العام الدراسي القادم، فقد تسارعت الجهود للإعداد لبدء هذا العام بما يتلاءم مع الظروف الحالية، ويحقق مصلحة الطلاب، لا سيما وأن الخبرات التي مرت بها الوزارة وقياداتها، وكذلك المدارس والجامعات، والطلبة والطالبات، إضافة إلى التجارب العالمية في التعامل مع انتظام الدراسة بالشكل الذي يضمن التباعد الاجتماعي وتطبيق الإجراءات الاحترازية من جهة، ويضمن سلامة العام الدراسي وسير العملية التعليمية من جهة أخرى، والملاحظ أن هذه الإجراءات وإن كانت تخص جميع مجالات الحياة، فهي أكثر ضرورة في مجال التعليم بسبب طبيعة العملية التي تتطلب وجود أعداد كبيرة من الطلاب والطالبات، والمعلمين والمعلمات داخل قاعات مغلقة، مما يجعلهم أكثر عرضة للعدوى -لا سمح الله-، ولذلك فإن موضوع المدارس والأسلوب الذي يمكن أن تسير فيه أعمالها كان الشغل الشاغل لدول العالم كافة، والمملكة في ذلك شأنها شأن الدول الأخرى، مع ما اعتاده المواطن من حكومته من اهتمام بشؤونه في سائر المجالات، والحديث الذي أدلى به معالي وزير التعليم مؤخرا، حول السيناريوهات التي تم تطبيقها في بلدان أخرى، في أوروبا وآسيا وغيرها، وهي، إذا كان احتمال العودة إلى الانتظام بالدراسة بكثافة كاملة يبدو ضعيفا على ضوء المدة القصيرة المتبقية لبدء العام الدراسي من جهة، واستمرار الأعداد الكبيرة من الإصابات من جهة أخرى، فإن الاحتمالات الأخرى تظل هي إمكانية العمل بكثافة 50% من أعداد الطلاب والطالبات بحيث تتم تجزئة الفصول ذات الكثافة العددية إلى مجموعتين، وتتناوب المجموعتان الدوام يوما بيوم، أو ثلاثة أيام في الأسبوع لإحداها، ويومين للأخرى، وفي الأسبوع التالي أيضا، تتبادل المجموعتان، وبذلك تحصل العدالة في عدد أيام الدوام، وفي نفس الوقت فإن الأيام التي لا يحضر فيها الطالب إلى المدرسة يتابع التعلم عن بعد في الوقت الذي يمارس زملاؤه التعلم الصفي المباشر، أو أن يكون الدوام في المدارس والجامعات على فترتين في اليوم الواحد، وتكون الكثافة في كل منهما 50%، على أية حال فإن كافة هذه السيناريوهات ممكنة وعملية، ولذلك يمكن أن تكون فيها مرونة بحيث تراعي ظروف كل مدرسة أو مؤسسة تعليمية، خاصة وأن معظم مدارس التعليم الأهلي، ومدارس القرى والهجر، قد تسمح الكثافة الطلابية فيها بالعودة إلى نظام التعليم الصفي الكامل.. بقي أن نشارك جميعا مربين وقيادات تربوية وأولياء أمور، في التشاور والتفكير وطرح المبادرات الإبداعية والمقترحات في هذا الشأن الوطني الهام، وأن نؤكد في جميع الأحوال التزامنا بما تتخذه الدولة وتحرص عليه من قرارات وإجراءات للمحافظة على أرواحنا، وحماية مصالحنا ومصالح أبنائنا، وهو ما تقوم به الجهات المسؤولة بكل إخلاص، وما تعمل عليه بكل إرادة وتصميم.