وهكذا فإن كل الاستفسارات التي ترتبط بهذه العملية الجمالية في عالم الفنون تقع على تراتبية مختلفة الأدوار تبدأ من شخصية الفنان وانتمائه وموقفه الجمالي عند الإنجاز وتركيزه على مفرداته البصرية التي تكون كـ«شيفرة» يبني وفقها مفاهيمه بالارتكاز على خاماته وكل ما يتوافق مع فكرته الفنية التي يعنونها كما يليق بالمعنى دون أن يفسّرها، وعند العرض تخرج نحو المتلقي.
وهنا تنشأ علاقة جديدة بين العمل الفني والفنان نفسه لتخرج به إلى العموم، حيث يصبح للعمل الفني الذي ابتكره تفسير ورسالة وتفصيل دقيق يقع على عاتق الناقد الوسيط إذ يحاول تفسير الغموض الذي ينتاب المتلقي العادي بتكوين مفردات أخرى عن العمل وتبسيطها لتكون أكثر مرونة وأقرب في الذهنية البصرية.
وهنا نحن نحاول أن نسلّط الضوء على الحركة النقدية الفنية التي تختلف في درجاتها بين الإعلام الفني الثقافي وبين النقد والبحث الفني ليتفاعل دورها بالأساس نحو خلق مسارات تبسيطية ولغة بصرية تنفتح على عوالم الفن والفنان دون حواجز ضبابية ولا غموض منفّر.
فالحركة النقدية الفنية في المملكة تحتاج إلى الكثير من التجدّد والمواكبة والحيوية الذي يتوازى بدوره مع الحركة النشيطة للفن والفنانين والمشاركات المحلية الوطنية العربية والدولية على مختلف الأنماط التعبيرية في الفن من التراثي والحداثي والمعاصر وما بعد الحداثي.
لأن التطوير الجمالي والفني والوعي به لا يمكن أن يُفرض على العقلية العامة ولكنه يتسرّب على شكل تذوّق وإحساس بقيمة هذا الفن حتى لا يكون التعامل معه من منظور سطحي بعيد عن الفهم، فالمعرفة بالفن من نواحي الأبجديات الأولى هي من أهم خطوات التواصل مع الرسالة الفنية في العمل الفني التي تخلق مبررات لفهمها وتقبّلها أو النقاش فيها بشكل عميق.
إن المرحلة الحالية التي تعيشها المملكة تبني أسسها الفنية والثقافية والجمالية والبصرية على مخططات مدروسة تبدأ من الخاص لتصل إلى العام، ولأن العمل الفني يبدأ من الفنان وينتهي إلى الملتقي يجب أن يكون وفق خطوات تتعمّق وتتكاثّف على مستويات متينة لا تعرف حواجز فهمية ولا تخلق نوعا من اللافهم للمجالات الجمالية لأنها ترتبط ببعضها البعض على عدّة أصعدة، فلا هندسة بلا فن وتذوّق ولا عمران بلا وعي جمالي ولا تنمية بلا تذوّق يخلق بين البناء والإنجاز محبّة قادرة على رؤية الجمال في كل منجز وفهم معاني الجمال عند كل تنفيذ.
من المهم معرفة أن الفنون ليست محطة للتسلية أو أمرا لتضييع الوقت، بل هي وسائط جمالية عامة ومحرّكات استثمار تنموية وترجمان لحضارة وثقافة هذا الوطن ومكوناته، ومن ذلك يتم تقدير مفهوم تلك الفنون كما يجب وهو ما سيكون وقريبا إن شاء الله.
yousifalharbi@