ومن المعروف، أن عالم الصوتيات متعدد الجذور، فمثلا يقولون إن الصوت الذي يخرج من الأنف أردأها. أما الصوت الصادر من الحجاب الحاجز فهو أفضلها.
والتقليد هنا هو أحد أنواع التعلم غير المباشر إذا تجاوز عمليات الابتزاز والاستغلال وإيحاءات الهمز واللمز، وقد وهب الله ندرة من الناس أصواتا رنانة وجذابة استفاد البعض منها في الخير واستغلها آخرون في غير ذلك.
واليوم وقد اتسعت دائرة التقليد واتخذت مسارا آخر نحو المظهر والملبس والحركات والسكنات، وأصبح ذلك الطوفان ظاهرة غير صحية كما هو الحال في مجال الكرة والفن كتلك الرسوم والوشوم والقصات والألوان وغيرها من التعليقات والتقليعات، التي لا تناسب قيمنا ولا توافق ثقافة مجتمعنا.
ومن المؤكد أن الأشخاص، الذين يميل المقلد إلى محاكاتهم يمجدهم لأنه يتأثر بهم ويراهم قدوته، فالطفلة مثلا تقلد أمها والطفل يقلد أباه، وكذلك الطالب يقلد معلمه دون النظر إلى ما لا يستسيغه العقل؛ لذلك التقليد الأعمى المعارض لثوابت المجتمع ومبادئه.
وهذا يعني أن لظاهرة التقليد إيجابيات لا يمكن حجبها لو لم يكن منها إلا الاطلاع على حضارات الأمم الأخرى والاستفادة من ابتكاراتهم وتقنياتهم إذ من الطبيعي أن الإنسان يؤثر ويتأثر بمَنْ حوله، فكما أن حريته لها حدود حسب خصوصيته، فإن عليها قيودا على ضوء بصمته، فاليابان مثلا تقلد الغرب تقليدا إيجابيا في صناعة المنتج ونحن العرب نقلد الغرب تقليدا سلبيا في استهلاك ذلك المنتج على وجه العموم.
ومن خلال ذلك المنظور، فإن ظاهرة التقليد السلبي تقود إلى تمييع الهوية وإفساد العقول وحينها تنقلب الموازين بعكس التقليد الإيجابي، الذي يساعد على سعة الاطلاع وتلاقح الأفكار، وقد لعبت وسائل الإعلام مع الأجهزة الذكية دورا مؤثرا أشد من وقع السهام في غبش الظلام.
ولعل ما يختصر ذلك ما ذكره ابن خلدون في مقدمته، وهو يقول إن الأمة المغلوبة تذوب ذوبان الجليد من الحرارة.
وذكر أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه وسائر أحواله.
السطر الأخير:
يقول جودورسكي (الطيور التي تولد في القفص تعتقد أن الطيران جريمة)..
yan1433@