أصبح ذلك الشاب القصيمي، الذي تغرّب في العراق، وعمل لمدة أربع سنوات، يتأهب للعودة إلى بريدة، بعد أن جمع أجراً قدره 330 جنيهاً من عمله في مزرعة بمنطقة البصرة، وكان مشتاقاً للعودة إلى وطنه وأهله، الذين لا يعرف مَنْ مات منهم، أو مَنْ بقي على قيد الحياة. فعندما لاح الصباح اتجه إلى المكان الذي تنطلق منه القوافل، لكي يرافق إحداها؛ وعندما سألهم عن أجرة الرحلة، قالوا له: عليك أن تدفع عشرة جنيهات. فتردد في قبول العرض، وأقنع نفسه بأنه أولى بتلك الجنيهات، وأهمل تحذير ربّ العمل العراقي من أن يبتعد عن المجازفة، لأن الطريق يترصد فيه اللصوص (الحنشل) ويسرقون مَنْ يقدرون عليه.
سار في طريق الرجعة على الأقدام، كما أتى إلى العراق. وبات ليلته الأولى، وسار في صبيحة اليوم الثاني، حتى أدركه الليل، فلجأ إلى مكان ينام فيه. وبعد أن استغرق في النوم، أحس بشيء من الحركة حوله؛ فلما فتح عينيه، فإذا بأحدهم يهزه، ويسأله من أين أتى؟ فقال: أتيت من العراق. قال: إذن معك خير. هات ما معك! وعندما أنكر أن يكون معه شيء، أطلق النار من حوله، فأعطاه المحزم وما فيه. وأخذ يتوسل إليه أن يترك له منه شيئا، لكن اللص رفض، وأخذ المحزم وغادر. يقول: بقيت أتقلب على التراب من شدة القهر، ولم أستطع النوم حتى الصباح. وبعد أن سار قليلاً، رأى بعض معالم الكويت. فاتجه إلى مسجد بعد وصوله، وكان الناس يصلون، وهو في نحيب مستمر. فأتاه أحدهم، وبادره قائلاً: أحسن الله عزاءك! قال: في مَنْ؟ قال: في المتوفى. فقال: لم يمت لي أحد، لكن الأمر كيت وكيت. قال: أرى بأن تعود إلى رب عملك، وتحكي له الحكاية. ولا تترك نصيحتي، كما تركت نصيحته بألا تسافر إلا مع قافلة!
فعاد إلى حيث كان، وعندما دخل إلى السوق، رآه رب العمل العراقي؛ فبادره: أنت هنا عليّ؟ قال: نعم، الأمر الذي حذرتني منه حدث. فأخذه إلى المزرعة، وجمع أقاربه ومعارفه، وطلب منهم مساعدة هذا الشاب الذي عرفوه، فاجتمع له مبلغ طيب. وذهبا معاً إلى السوق في الصباح، واشترى الرجل العراقي أغراضاً لأهل عليّ، ودفع أجرة القافلة، وأعطاه الباقي، حيث زاد ما أعطاه على 300 جنيه.
ودّع عليّ هذا الرجل الشهم، وسار مع القافلة. وفي الليل هاجم الحنشل أطراف القافلة، لكن الفرسان معهم لاحقوهم، وأمسكوا بهم. ولأن رئيس القافلة يعرف قصة عليّ مع الحنشل، سأله: هل يعرف أشكالهم، فقال: لا، إنه كان ليلاً، لكنه يعرف صوت من أخذ المال منه. فطلب منهم أن يتكلموا فرادى، فعرف عليّ صوت أحدهم بأنه السارق. عندئذ هدده رئيس القافلة بالقتل، إن لم يحضر المال حالاً، فأشار إلى مكان قد دفنه فيه، واستخرجوه وأعطوه الشاب النجديّ. لم تعد الدنيا تسعه من الفرحة؛ إذ أصبح معه قرابة 650 جنيهاً، وهي ثروة كبيرة بمقاييس ذلك الزمان. وبعد يومين وصلوا، لكن عليّاً لم يجد في المزرعة أحد من أهله، وكانت مهجورة تماماً. فاتجه بسرعة إلى البلدة، وسأل عنهم، فوجدهم هناك، وعادوا جميعاً إلى المزرعة، وأحيوها بعد أن أتي عليّ بالمال؛ وسيكون تعليقي في مقالة مستقلة على تلك الأحداث.
falehajmi@