ولا أخفي اتفاقي الكبير مع ما قالت جاميسون، نعم نحن مرضى نفسيون، بدرجات متفاوتة، مثلما نحن سعيدون بنسب متفاوتة، وحزينون بنسب متفاوتة، وأحرار بنسب متفاوتة أيضا!، فمن غير الممكن أن نعيش من الطفولة إلى هذه اللحظة دون أن نواجه صدمات قوية، مواقف حرجة وصعبة، وحالات فقدان للأقارب والأحبة، لا يمكن أن تمر بنا كل هذه الأشياء دون أدنى تأثير نفسي سيئ قد يتفاقم سوؤه إذا تم تجاهله.
ولهذا يجب أن يتم نبذ الأفكار الخاطئة فيما يتعلق بالمرض النفسي وعلاجه، ولن يتم ذلك إلا بالنظر وبجدية في حقيقة علم النفس وتفريعاته واستنادها على أسس علمية متينة، بدلا من الجنوح وبجهالة إلى رمي كافة المشاكل النفسية إلى أسباب لا صلة لها متعلقة بالحالة الدينية للشخص، كمثال القول بأنه مقصر في عباداته وعلاقته الروحانية مع الله، وبدلا من احتوائه يتم إثقاله بظنون وتصورات غير متصلة بحقيقة حالته، ومن المؤسف ألا تقتصر هذه الممارسات على أفراد المجتمع بل تشمل بعض ممارسي المهنة من الأطباء النفسيين، وهنا تكمن المشكلة الكبرى، وتصبح المسؤولية كبيرة على عاتق بقية من يدرك ويفهم بأن الحالة النفسية أكثر تعقيدا من ذلك.
لن يستطيع العلاج النفسي أن يخلص جميع الناس من أمراضهم وتبعاتها، أو يقتلعها من جذورها، لأن ذلك ضرب من ضروب المستحيل، لكن ما يبرز أهميته وضروريته، هي القدرة التي يمتلكها على كشف جوانب عميقة في داخل الإنسان، وعرضها على السطح، ليتمكن المريض من معرفتها ومواجهتها، والتقليل من حدتها، يبدو لي ذلك أفضل وبكثير من إهمالها وتركها تتعاظم لتصل به إلى مراحل لا يمكن السيطرة عليها، تؤذيه وتؤذي كل من يحيط به أو يتعامل معه، سواء كان ذلك الإيذاء نفسانيا أو حتى جسديا.
@naevius_