والأعياد على مستوى الأمم ككل هي أيام فرح وسعادة، وحتى مع ما نمر به من جائحة (كورونا المستجد) إلا أنه تظل للعيد نسماته وبهجته. والإنسان من صفاته أنه يتعايش ويتكيف مع الأزمات والظروف بأنماطها المختلفة. ولعل البعض يشده الحنين إلى معاودة الزيارات الأسرية، والتي لا بد أن تتم بحذر وبحسب التعليمات الرسمية والصحية. ومن الحكمة عدم التعجل في العودة، وأن تقتصر على الأقربين الخاصين جدا من العائلة والأسرة حين لا تتوافر البدائل والوسائل الأخرى، كل ذلك من أجل أن نحافظ على أنفسنا وأحبائنا، وحتى لا تعود -لا قدر الله- الحالات إلى التزايد بعد نقصانها، ومن أجل أن نتفادى موجات أخرى.
والواقع أننا تكاتفنا واصطبرنا لفترة طويلة، فعسى أن تكون الغمة قد اقتربت من الزوال لأننا متفائلون بأن القادم أفضل وأمتع. ولذلك الحذر وأخذ الحيطة هو القرار الأصوب. ويصدق في حالنا قول القائل: لا يصاب بالبلل من يبقى بعيدا عن الماء! وأعتقد أن هناك وسائل حديثة ومتنوعة للتواصل فيما بيننا، وهي جدا فعالة وعملية، وعصرنا بلا ريب هو عصر (الأونلاين).
وعودا على أجواء العيد، فمن الملاحظات الجديرة بالاهتمام أن الأعياد لا ترتبط بوقت معين من فصول السنة، فقد تكون شتاء أو صيفا لأنها شهور قمرية. ويقول عباس محمود العقاد -رحمه الله - في هذا المعنى شارحا وموضحا للفكرة: «التوقيت بالأشهر القمرية في حساب العيدين الإسلاميين قد كان له أثره في تنزيه هذين العيدين عن كل صلة بالعقائد الجاهلية التي سبقت دعوة الإسلام، فلا ارتباط لهما اليوم بمواقيت عبادة الطبيعة أو عبادة الكواكب، وليس لهما قوام من الذكريات المادية، أو المعاني النفعية، فقد يعود الصيام في أشهر الصيف كما يعود في أشهر الشتاء، وقد يجب الحج مع أوان المرعى والسقاية كما يجب مع كل أوان، وهو عدل في توزيع أيام الفرائض يناسب العدل في تكاليف الدين وأعباء الواجبات».
وعيد الأضحى بحد ذاته مناسبة جليلة تحدث في كل عام، وفي أوقاته وقعت بعض الأحداث التاريخية الجليلة أيضا، من أبرزها الاتفاق التاريخي الذي غير وجه العالم ألا وهو بيعة (العقبة الثانية)، والتي كانت في أيام الحج من عام 13 بعد البعثة. وبعد هذه البيعة بعشر سنوات رأينا نتائجها وسمعنا أهم خطبة على مستوى البشرية، والتي حدثت قبل العيد بيوم واحد ألا وهي (خطبة الوداع). والتي بين فيها عليه الصلاة والسلام الأسس للحياة الكريمة للمسلم بحفظ الدماء والأموال، وبين أهمية المساواة بين الناس وليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى. وقد سبق الإسلام بذلك كل الدساتير الحديثة التي تتحدث عن حفظ كرامة الإنسان والمساواة والعدل.
ومن المهم أن ندرك كذلك أن العيد هو الوقت الأنسب لوصل ما انقطع من الروابط الأسرية أو الصداقات المتوترة. ورب رسالة قصيرة صادقة تغني عن طول الاعتذار. وعسى مكالمة مقتضبة ومعبرة أن تفتح أبواب القلوب المتألمة والمنتظرة، والأهم من ذلك كله أن نتيجة العفو والصفح هي: «أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ».
abdullaghannam@