يقسم علم النفس الحديث الاستغلال إلى نوعين: استغلال إيجابي وآخر سلبي. فالأول يقصد به استغلال الإنسان للماديات في هذه الدنيا التي سخرها الله له، لقوله سبحانه: «وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ». أما الاستغلال السلبي والذي سيكون محور هذا المقال، فيقصد به استغلال الواحد لطاقات ومشاعر الآخر واستغلال مادياته وتسخيرها لقضاء مصالحه.
الحقيقة المفاجئة هنا، هي أن كل شيء يحدث بسبب الشخص الذي كان ضحية للاستغلال، وعندما يدرك أنه هو السبب سيتمكن من حل المشكلة، أما لو توقف عند لوم الشخص الآخر فيظل يعاني بمنتهى البساطة.
ما يحدث في الواقع، أحيانا بعض المفاهيم المغلوطة عند الإنسان من قبيل ضرورة مساعدة الآخرين وضرورة التضحية في العلاقات وضرورة استبعاد الذات، تقحم الإنسان في متاهات الاستغلال، ويبقى كالشمعة يحترق من أجل سعادة الآخرين إلى أن يندثر. وأحيانا أخرى يكون السبب راجعا لافتقاد ذلك الشخص لثقته في نفسه فيثري من الآخرين وينتقل في علاقاته إلى منطق: الخسارة من أجل إرباح الآخر... لا تهمه نفسه بل الآخرين ومصالحهم.
يبقى الإنسان على منوال إرضاء رغبات الآخرين للحصول على ردة فعل يرغب بها هو حقيقة، إلى أن تستنزف طاقاته ويستهلك جوفه، فتنقلب الأمور عليه من كثرة السلبيات التي تقيده. هنا يستشعر خطرا يهدد استقرار نفسيته وثقته التي يستمدها من المصدر الغلط وهو الآخر... على عكس الإيثار الذي يرفع من شأن الإنسان لأنه يعطي للآخر بغية التقرب من الله تعالى دون مقابل. أما عندما يعطي الإنسان بنية الأخذ سينتقل بعدها مباشرة إلى منطق الربح من أجل خسارة الآخر... وهنا سيدخل متاهة أكثر سلبية، وهي الأنانية.
عندما تتفاقم الأوضاع على هذا النحو قد يبدع هذا الشخص الذي سمح لنفسه بأن تستغل منذ بادئ الأمر، سيتحول إلى منطق ثالث وأكثر خطورة وهو الخسارة من أجل خسارة الآخر فيصبح كالنار في الزناد، يحرق من حوله ويحترق، وتكون غالبا هذه هي المرحلة التي تسبق الانتحار. لأنه خسر كل شيء ولم يعد لشيء يذكر، قيمة في حياته.
في الختام... يقول تعالى في سورة المائدة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ»، عندما تصبح سعيدا وتستمد ثقتك من الداخل ومن حكمة وجودك، حينها ستتمكن من إضفاء الآخرين من الزيادة التي وهبك الله وليس من إمكانياتك المحدودة وستكون كالشمس تنور نفسك والآخرين في نفس الوقت.
alharby0111@