وبنظرة مستقبلية سريعة على بعض التغيرات ذات الأثر الملموس والمستدام نخرج بمجموعة من الملاحظات الجديرة بالدراسة، وعلى سبيل المثال، هناك تباطؤٌ واضحٌ في الاستثمار الاقتصادي في مشاريع جديدة على مستوى العالم، بل إن بعض المشاريع القائمة قد تم إرجاؤها أو إلغاؤها تمامًا بسبب الأثر الاقتصادي غير المعروف للجائحة، ويقتضي ذلك من القطاع البلدي إعادة النظر في جدوى التوسع في مخططات جديدة قد لا يتم إشغالها بشكل مناسب وإعادة تقييم إمكانية الاستفادة من الأماكن المتاحة حاليًا، والتي أصبحت شاغرة كبديل للتوسع وما يقتضيه من استثمارات مواكبة.
أما الملاحظة الثانية فهي زيادة نسبة العاملين عن بعد، والذي أدى بدوره إلى قلة الحاجة إلى التنقل باستخدام وسائل الموصلات المختلفة وبالتالي انخفاض الضغط على استخدام الشوارع، الأمر الذي يتيح لنا فرصة إعادة النظر في ميزانيات صيانة الشوارع التي لا تشهد حركة مرورية عالية في الوقت الحالي، وتحويل تلك الميزانيات والجهود إلى أولويات بلدية أخرى.
وبالانتقال إلى الجانب الصحي، فإن مبدأ التباعد الذي أصبح خلال وقت قصير نسبيا من أساليب الحياة المتعارف عليها، يقتضي البحث عن طرق مبتكرة لتفكيك مواقع الاكتظاظ البشري الحالية من خلال بدائل مبتكرة منها مثلا أن يتم عكس التوجه الذي ساد مؤخرًا وهو الاستثمار في إنشاء المجمعات التجارية الكبرى، والتي انتشرت بشكل كبير مؤخرا، وتشجيع العودة إلى فكرة المحلات المنتشرة في مواقع متباعدة أو شوارع مفتوحة تخدم الأحياء القريبة.
وحيث إن توفر رأس المال البشري الكفؤ والمدرب تدريبًا مناسبًا يعتبر عاملاً مهمًا في التعامل مع آثار هذه الأزمة، فقد أصبح لزامًا علينا النظر في إعادة تأهيل وتدريب العاملين في مختلف القطاعات ليصبحوا أكثر قدرة على فهم أحدث الطرق وأسلمها لأداء أعمالهم في ظل مختلف الظروف البيئية والصحية. ولعل ما يدعم تطوير الموارد البشرية، ما يتوقع من توفر فائض في تلك الموارد.
ومن جهة أخرى، لا يخفى على أحد أهمية الاستفادة من التطور الهائل الذي حدث في تقنيات الأتمتة على مستوى العالم وخصوصا في المجال اللوجستي وإدارة الأعمال وخفض النفقات التشغيلية، فبالإمكان الاستثمار في هذه التقنية لتسهيل كثير من الأعمال الروتينية مثل إصدار التراخيص والموافقات، بالإضافة إلى متابعة الأعمال الرقابية من خلال تفعيل نظام الكاميرات والماسح الإلكتروني وغيرها لمراقبة الالتزام بالشروط العملية والصحية مما يساهم في تقليل مخاطر التواصل المباشر على العاملين وغيرهم.
هذه بعض الأفكار والفرص التي يمكن للقطاع البلدي النظر فيها واعتبارها للاستفادة من الظروف التي أملتها هذه الجائحة، وما ارتبط بها من تحول غير مسبوق لطريقة حياة البشر وتغيير لأساليب معيشة تعارفوا عليها، فإنها في الوقت ذاته فتحت أبوابًا لخدمة المستفيدين من القطاع البلدي وغيره وربما كنا عن تلك الأبواب غافلين.