salemalyami@
خمس جبل الجليد الظاهر للعيان من الأزمة الليبية اليوم كفيل بإشعال المنطقة العربية، وأخطر من ذلك يكشف بجلاء عن التدخل الإقليمي في الشأن الليبي في المقام الأول، ثم في الشأن العربي ثانياً، مما يخلق حالة مكشوفة من اختراق عمق الأمن القومي العربي، وسعيا واضحا لإحداث حالة من الاصطفاف بين دول عربية وإقليمية وإلى حد ما دولية، بل تلك التقاطعات تخلق المناخ العام الاحترافي العربي الإقليمي والذي تمثل جدوته مواقف الأطراف الليبية التي يوفر بعضها غطاء مزيفا لشرعية التدخل، مبنيا على موقف دولي قديم يرفضه معظم الناس في ليبيا، ويرفضه قطاع عريض من الجسم القبلي والمناطقي والعشائري، هذا الخزان البشري الذي يمثل واجهة صد تاريخية عربية ليبية منذ أيّام الاستعمار الإيطالي وحروب الأجداد معهم على كامل التراب الليبي.
القراءة المتأنية للأدوار العربية الواعية بخطورة وفداحة ما يحدث في ليبيا، تتقدمها القراءة المصرية التي حاولت لملمة خيوط الأزمة وإعادة حياكتها بين الليبيين، مع دعمهم بما يحتاجون من مساندة مادية ومعنوية، وغلبت في كل تحركاتها الحل السلمي بين الليبيين بناء على طروحات دولية سابقة في برلين الألمانية وتوجت كل ذلك بإعلان القاهرة للسلام في ليبيا، الذي يدعو كل الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي لوقف أعمال التدخل والتحشيد بين الليبيين وفِي نفس الوقت وقف كل أعمال اختراق مفاهيم الأمن القومي العربي التي تنبع من جراءة التدخل في الشأن الليبي العربي الصرف. مصر ليست وحدها، بل شاركها هذه الخطوط الواضحة للحل في ليبيا دول الجامعة العربية، وفِي المقدمة السعودية، ودولة الإمارات، وسعت الدولتان بشكل حثيث لتثبيت رؤيتها وإعادة الاعتبار لدور عربي فاعل في حل الأزمة الليبية، وقامت المملكة العربية السعودية عبر دبلوماسيتها النشطة بتدعيم الموقف المبدئي المصري، ثم ذهبت إلى تعميق الدور الإقليمي العربي في الحل، من خلال المساهمة بتوحيد مواقف دول حوار ليبيا العربية لتكون كلها عونا للحل العربي السلمي في ليبيا والذي يبعد اليد الأجنبية من المسألة وهي يد طامعة وطامحة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب تمزيق الجبهة العربية، وإذكاء حالة الخلاف بين الأطراف الليبية. فكانت الزيارة المكوكية لوزير الخارجية السعودي إلى كل من الجزائر، وتونس، والتي تمخض عنها إعلانات أعادت للحالة العربية المتسقة مع الحل السلمي والمصالحة بين الليبيين إلى مكانها. في الحانب الآخر كانت حالة الاصطفاف العربية والإقليمية واضحة وتسير في اتجاه يدفع بالأزمة بدون شك إلى التصعيد، ولعل أحد أبرز أشكال التصعيد الإعلان المستمر من هذا الفريق بأن الحشد لمعركة سرت قائم، وأن ليس هناك أي بوادر للتقدم إلى الأمام ببوادر للوصول إلى حلول سلمية، الأخطر، وغير المألوف في العلاقات الدولية، حتى في أقصى حالات الاصطفاف ضد الغير، تصريحات المسؤولين العسكريين ضد الدول الأخرى بالتهديد، والوعيد، والمحاسبة، والنيل من الدول الأخرى بحسب حجمها الجغرافي ووزنها، وتأثيرها الدولي. ولعل القارئ الكريم أدرك أن المقصود هو وزير دفاع دولة إقليمية تظهر اليوم عداء كبيرا للعرب، وللدول العربية. وتقفل شكلا مكشوفا بالكامل ضد الأمن والسلم في المنطقة بفئة تحقيق أطماع وأحلام في ذهن قادتها، التهديدات العسكرية لدولة عربية هو تهديد لكل المنظومة العسكرية والسياسية العربية، وقوة الدول اليوم لم تعد تقاس بتلك المعطيات البالية، الأهم من ذلك أن العرب اليوم يصطفون في ليبيا وراء مشاريع السلام وإبعاد شبح التدخل الخارجي وانتشار الاٍرهاب في الجسد العربي، وهذا مطابق لما عليه العقائد والأعراف الدولية، وأي اختراق لهذه المنظومات هو اختراق للأمن القومي العربي الجماعي الذي يظهر أنه عازم عن الدفاع عن مكتسباته تحت الشمس رغم تهديدات الآخرين، ووعيدهم.
salemalyami@
salemalyami@