اتجاه عاشه لبنان منذ مطالع عصر النهضة إلى حدود منتصف القرن العشرين، اتسمت الحياة فيها بالحراك الثقافي والإعلامي والسياسي والسياحي، وأصبحت كل الأيدي تشير إلى أنها بلد سوف تكون مركزا لمشروع نهضوي تنويري عربي بجانب أخواتها مصر والشام والعراق، رغم ما يعتري نظامه السياسي من خلل يرتكز بالأساس على التقسيم الطائفي للسلطة.
هذا ما كان سائدا في الأدبيات الفكرية والأدبية الطليعية عند الشرق والغرب على السواء، اعتمادا على ما أنتجته من مفكرين متنورين ورجال أدب وسياسيين وعلماء وإعلاميين كبار، جميعهم حاولوا أن يفتحوا طريقا لوصل الحياة العربية بالحضارة المعاصرة، وأن يطرحوا خلفهم كل ما يشدهم إلى الوراء، إلى ماض انتهى زمنه، وما عاد يصلح استخدامه للعيش في المستقبل.
أين اختفى هذا المشروع؟ أين ذهبت ملامحه؟ لم يكن أحد يتصور حتى عند أكثر المتشائمين أن تتحول لبنان إلى وجه آخر، لا يليق بألقها المشع على جهات الحرية والديمقراطية التي كانت موعودة بها منذ وقت قريب، إلى وجه لا ترى فيه سوى القتل والدمار والتفجير والتعصب الطائفي والفساد والزبائنية السياسية، إلى وجه لا تنتمي ملامحه سوى للماضي المريض الذي يثير الأحقاد والنعرات بالقدر الذي يبتعد فيه عن الانفتاح والسلام العالمي.
منذ أن تغلغل حزب الله ومن ورائه إيران في مفاصل الدولة اللبنانية، وأصبح حسن نصرالله الحاكم المطلق باسم الولي الفقيه، حتى انتهت دولة البناء التي قامت على مشروع تعميري أسسه رفيق الحريري، وجاءت دولة المقاومة التي تريد أن تتحكم بالحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وفق إيديولوجيتها العبثية في مفهومها للمقاومة، وتبعات هذا التحكم خلق له أتباعا متنوعين في ولائهم له، سواء من داخل الطائفة الشيعية، أو خارجها.
تفجير مرفأ بيروت لن يكون الأخير، ما دام السلاح بيد حزب الله، وما دامت إيران تعبث بالمنطقة كما تريد، وما دامت لا تريد حربا مع إسرائيل، وما دامت هذه الأخيرة لا تريد حربا أيضا، ضمن لعبة يديرها الغرب السياسي، ضحيتها الأولى والأخيرة الشعوب العربية.
[email protected]