لم تكن سياسات الدول في أي حقبة من حقب التاريخ تجعل العلاقات السياسية محصورة فيمن يتفق مع البلد الذي ينشئ علاقات مع الآخرين، أو يتماهى مع طبيعة الشعب أو ثقافته، فمثل تلك البلدان لا تحتاج إلى علاقات للتنسيق معها أو التفاوض في حالات الاختلاف. وقد مرت على البلدان العربية عقود من الزمن كان فيها الفلسطينيون، أو من يزعم نيابته عنهم يشلون قدرة الدول العربية على اتخاذ قرارات تصب في مصالحهم القريبة والبعيدة المدى. وكانت حججهم في ذلك، أن إسرائيل هي العدو التاريخي للعرب (عداوة صنعها القوميون واليساريون، وسايرهم في هذا الإسلاميون المسيسون، والمنتفعون من فصائل ما يسمى المقاومة المنعمة بخيرات الممانعة من سرقات للمساعدات واختطاف لقرارات الشعوب).
وقد اكتشف بعض العرب، أن تلك العداوة التاريخية المزعومة، ليست مبنية على أساس منطقي، فإسرائيل ليست كما تصورها تلك العقليات المريضة المهووسة باستحضار التاريخ الموغل في القدم، عند كل قرار معاصر. كما أن الأمر من الناحية البراجماتية يصب في مصلحة الطرفين، بل وفي مصلحة السلام بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، رغما عن المنظمات المتطرفة التي لا يهم زعماءها إلا الانتفاع الشخصي من جمود الأوضاع وعنتريات الكلمات الجوفاء.
وقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ نشأتها، أن مصالحها تقع في المقام الأول عند اتخاذ قراراتها، وبناء علاقاتها مع دول العالم الأخرى. وكانت شخصية رئيسها الأول ورمزها التاريخي الشيخ زايد رحمه الله (وقد ساعده في ذلك مواقف شيوخ الإمارات الأخرى، خاصة دبي والشارقة) سباقة إلى هذا المنهج المنفتح في العلاقات مع الدول، وكذلك الانفتاح على الثقافات والأديان، مما جعل الإمارات العربية المتحدة موطن استقطاب لكثير من الأجناس البشرية، وانعكس ذلك على اقتصادها وأمنها وسمعتها الدولية.
فقد أصبحت الإمارات العربية المتحدة، رغم قصر عمرها بعد الاستقلال، واحدة من مراكز الجذب العالمي في السياحة والتجارة الدولية، بل وفي كثير من المجالات الاقتصادية المتجددة في العالم، مثل الطاقة النظيفة وعلوم الفضاء والسياحة الثقافية في أبوظبي، والاستثمارات الناجحة مع الأمن المتميز في دبي، والاتكاء على قاعدة الثقافة والفنون في الشارقة. وفي ظني أن الانخراط الآن في هذا الانفتاح السياسي سيزيد دولة الإمارات العربية المتحدة قوة وسمعة دولية، كما سيزيد المنطقة استقرارا وازدهارا اقتصاديا، ويقلل من حدة الأزمات التي أصبحت منطقتنا تصدرها إلى العالم. ولا أظن من يشتركون معنا في الخلفيات الدينية والعرقية والثقافية كانوا أكثر اهتماما بأمننا ورخائنا، علاوة على أن ذلك العداء في منطقتنا كان حجر عثرة في علاقاتنا مع العالم.
falehajmi@