تناقلت منصات التواصل الاجتماعي الأيام القليلة الماضية مقطع الشاب الذي يبيع الشاي مرتديا وشاح ورداء التخرج، متعللا بعدم حصوله على وظيفة تلائم شهاداته، وهو خريج قد تم ابتعاثه إلى جامعة أمريكية، في البداية المقطع انتشر بشكل واسع، حتى ظهر بيان من صندوق الموارد البشرية ينقض ما ادعاه الشاب، موضحا أنه تدرج فيما يقارب خمس وظائف في قطاعات مختلفة، ووصل دخله حتى 8 آلاف ريال، ثم رد الشاب على البيان بأن كل ذلك كان قبل ابتعاثه هو وزوجته.
بداية، والذي نفسي بيده، لست شامتا بأي حال من الأحوال، ولكني محب له ومشفق عليه في آن واحد هو وكل أبناء وبنات وطني، فأقول إن أي صورة من صور التحدي أو الضغط هي غير مقبولة، فلو كل من لا يجد ما يريد فعل كما فعل أخونا لأصبح الوضع فوضويا، ولا يوجد مجتمع متقدم في العالم يقبل الفوضى. أعلم تماما أن هاجس الوظيفة هو طموح وحلم لكل الناس في العالم، ولكنه لا يكون عبر هذه الطرق، هل يعقل كل من حصلوا على وظائف كانوا قد حصلوا عليها بهكذا سلوك، ثم هل يعقل أن تقوم الدولة بابتعاث شخص وتخصيص ميزانية مكلفة له لعدة سنوات في الولايات المتحدة أو غيرها ثم لا يكون لذلك مردود على الوطن والمواطن؟ أليس الأولى به البحث والبحث وتطوير القدرات واكتساب المهارات للوصول للغاية؟ أعلم تماما أن الوظيفة ليست بهذه السهولة، ولكنها أيضا ليست مستحيلة، بل تتطلب جهدا وإصرارا ذاتيا، فكثيرون جدا أقل منه نجحوا وحصلوا على ما يريدون، وكم من المبتعثين تبوأوا مناصب مرموقة، شخصيا أختلف مع كل أشكال التحدي حتى ولو كانت دون عنف، فإن خلت من عنف القوة فلن تخلو من عنف المعنى، هل أصبح التحدي أو الاستعطاف وسيلة للوصول لأي غاية؟ بلادنا - ولله الحمد - بلاد مؤسسات، بلاد نظام، بلاد قنوات متخصصة لكل مجال، ليست مؤسسات ارتجال ولا تسيرها مواقف، لم أجد أنا ولم تجد أنت طبقا ذهبيا ينتظرنا بل تعلمنا وبحثنا وأخطأنا وتعبنا وبحمد الله وصلنا، أتساءل هل كل من لم يجد وظيفة أو وظيفة غير ملائمة يضع اللوم على غيره ويتوقف؟ ألا يجدر به التفكير في قدراته وطاقاته الكامنة التي من الممكن استغلالها للوصول إلى وظيفة أو حتى ربما تجارة أفضل منها؟ كثيرون بدأوا تجارتهم وكان رأس مالهم الجهد وتقديم الخدمات حتى بدأوا يتكسبون، لم يندبوا حظهم ويتوقفوا ويضعوا اللوم على غيرهم ولم يظهروا بمقاطع تتحدى أحد.
اعلم أخي الحبيب أن كل إنسان منا يحتاج إلى تحد، ولكن ليس برداء التخرج لتبيع به الشاي، ولكن بتحد لتصبح صاحب سلسلة محلات للشاي من خلال محطات علمية وعملية يتخللها التوقف والنهوض والتراجع والتعثر والانطلاق والوصول إلى النجاح. نصيحتي لهذا الشاب الذي أتمنى له مستقبلا زاهرا ومشرقا أريدك أن ترتدي رداءك هذا وتطير مثلما يطير سوبرمان، ولكن من محطة إلى محطة وأنت ترتقي بالمراتب وتكسب الخبرات وتنقل المعرفة والإنجاز منك وإليك.
وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل أودعكم قائلا (النيات الطيبة لا تخسر أبدا) في أمان الله.
Majid_alsuhaimi @