أول وقبل كل شيء، كل مواطن مهما كانت وظيفته صغيرة أو كبيرة، بارزة للجمهور أو مخفية عنهم فهو مشارك في تنمية الوطن وصاحب رسالة من خلال استشعاره للمسؤولية، فهنيئا للموظف الذي يخطط لإنجاز مهامه اليومية، وهنيئا للموظف الذي يسعى لخدمة المراجعين (المستفيدين) ويرى في ذلك واجبا وعبادة، وهنيئا للموظف الذي يقدم الاقتراحات التطويرية إلى إدارته، وهنيئا للموظف الذي يحترم بيئة العمل ليحافظ على سمعتها، فهذه السلوكيات ليس لها علاقة بمستوى ومرتبة الموظف بل علاقتها مرتبطة بالمبادئ والأخلاق والقيم، لذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إني أحب الرجل يكون في القوم أميرهم وكأنه ليس أميرهم، ويكون في القوم وليس بأميرهم وكأنه أميرهم».
هناك الكثير من المسؤولين نجحوا في مهامهم الإدارية، واستطاعوا أن يقوموا بها على الوجه الأكمل إتقانا ونجاحا وإنجازا وإخلاصا، لكن المرحوم غازي القصيبي لديه قيمة مضافة متمثلة في (تنوع المواهب والمبادرة) ما بين المواهب الإدارية، والمواهب الأدبية، والمواهب اللغوية (الترجمة)، والمشاركة الثقافية الإعلامية في الندوات والمحاضرات، حيث شكلت تلك المواهب بمجموعها (شخصية الوزير المثقف والإداري المهاب)، ولا ننسى أن الإعلام وجد في شخص ومواهب غازي القصيبي مادة إعلامية جاذبة يمكن أن تتحول إلى موضوعات مختلفة في الإدارة، والشعر، والرواية، والنثر، والدبلوماسية، وهو تتويج لنجاحه.
نعم، ليس من المبالغة أن نقول بأن غازي القصيبي وزير استثنائي، فالقيمة المضافة التي قدمها أثناء مسيرته الوظيفية وحياته انعكست على تاريخه الشخصي، حيث لم يستسلم لأعباء الإدارة أو المسؤولية أو النقد الاجتماعي، بل قفز فوق تلك الصخور والأحجار وارتقى عليها، لتكون سلما له في إنتاجه الإداري والأدبي والفكري، ومن هنا يأتي الإبداع، ليس من الوظيفة فحسب، بل من القيمة المضافة للمبدع، ولعل أكبر مؤشر لقياس تلك القيمة المضافة هو إقبال المجتمع على مؤلفاته التي ما زالت تتصدر واجهة بعض المكتبات الكبيرة، وتداول الناس لمقولاته المسجلة والمكتوبة في وسائط التواصل الاجتماعي.
يقول ابن القيم الجوزي في كتابه (صيد الخاطر) في ذكره أحوال الأموات: «فمنهم من يذكر بالخير مدة مديدة ثم ينسى، ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره وقبره، ومنهم أعلام يبقى ذكرهم، ومنهم صنف ينسى ذكره عند آخر تراب في يد قابره».
[email protected]