وتوسعت الهوّة بين السراج ووزير داخليته، ووصلت إلى نقطة اللاعودة، بعدما قرّر الأول توقيف الوزير عن العمل وأمر بإجراء تحقيق بشأن الاعتداءات التي استهدفت المتظاهرين، وذلك في أعقاب اتهام باشاغا ميليشيات تابعة للسراج بمهاجمة المحتجين السلميين، كما قام باستبعاده من اجتماعين أمنيين رفيعي المستوى.
وقبل تحديد موعد التحقيق مع باشاغا، الرجل القوي والصاعد في مصراتة والمرتبط بجماعة الإخوان القريبة من تركيا، احتمى كل منهما بميليشيات مسلحة لحراسته، حيث تقف ميليشيات مصراتة خلف باشاغا ضد ميليشيات طرابلس الداعمة للسراج، ما زاد من احتمالية اندلاع صدام مسلح بين هذه الميليشيات.
تفكيك الميليشيات
قال الباحث في الشؤون الليبية لـ«اليوم» محمد فتحي الشريف: في حال تصادم الميليشيات وخوض مواجهة مسلحة، فإن ذلك يعني بداية تفكيكها وهي نتيجة منطقية لمرتزقة مأجورين يبحثون عن المال فقط، إذ قد تندمج ميليشيات لأخرى لو قبضت مبالغ مالية أكبر.
وشدد على أن باشاغا يراهن على ميليشيات مصراتة التابعة لمسقط رأسه، التي ينتمي أغلبها لجماعة الإخوان الإرهابية، ما ينذر بمواجهة دموية بين الإخوان وبقية ميليشيات طرابلس.
ورأى المحلل السياسي الليبي أبو يعرب البركي، أن المظاهرات الأخيرة أخرجت الخلافات بين الرجلين إلى العلن، مشيرا إلى أن ما يحصل هو صراع حول مَنْ يمثل إقليم طرابلس في السلطة الجديدة، معتبراً أن باشاغا يسعى للوصول للمنصب، ولكن هذا يتطلب الانقلاب على السراج وإخراجه من المعادلة، وهو ما حاول باشاغا فعله بمحاولة ركوب موجة الفساد ومحاربة الفاسدين.
ولا يتوقع البركي وهو من مدينة مصراتة، أن يتطور الصراع بين باشاغا والسراج إلى صدام مسلح بين ميليشيات مصراتة ومنافستها في العاصمة طرابلس، موضحا أن تركيا ستمنع أي احتكاك مسلّح محتمل، لأن ذلك سيطيح بمخططاتها ويضعف دورها في ليبيا، الذي يعتمد على السراج وباشاغا معا، كما لن تتدخل لصالح أي أحد من الفريقين خشية انقلابه عليها وبالتالي انفراط عقد المنظومة، التي تحاول تشكيلها غرب البلاد.
ورجّح البركي أن يكون لهذا الصراع بين أهم أركان حكومة السراج تداعيات فورية على مستقبل وصورة الحكومة، إذ سيزيد من إضعافها داخليا وخارجيا، معتبراً أن الوفاق «سقطت أخلاقيا» وأثبتت أن مَنْ يحكم هم مافيات وعصابات لا يستوعبون أن السلطة هي أخلاق قبل كل شيء.
وقال عضو مجلس الدولة الليبي محمد معزب إن الخلافات بين السراج وباشاغا جاءت إثر نظرة كل منهما لكيفية معالجة المشاكل، إذ يميل السراج إلى التأني في معالجة هذه الأمور، فيما يميل وزير الداخلية المقال إلى استعمال الإعلام والعلانية في كشف كثير من الملفات، والتدخل في مسائل تتجاوز صلاحياته متوقعا حل الإشكالات، وعدم تأثيرها على الوضع الأمني.
انهيار السلام
وقالت صحيفة الجارديان البريطانية في تقرير بعنوان «جهود بناء السلام في ليبيا موضع شكوك بسبب النزاع الداخلي بين القوات الحكومية»، إن الخلاف المرير بين القوات التابعة لحكومة الوفاق بعد المظاهرات، التي خرجت إلى الشوارع خلال الأيام الماضية، أصبح يهدد عملية السلام في البلاد وبناء مؤسسات وطنية.
ويوضح الكاتب باتريك وينتور أن هذه التطورات المفاجئة تُبعد ليبيا عن المخطط، الذي أعلن عنه في الآونة الأخيرة بوساطة من أطراف عدة على المستوى الدولي، وحظي بدعم من الأمم المتحدة على أساس وقف إطلاق النار، بين الجيش الوطني الليبي من جانب وقوات حكومة الوفاق من جانب آخر، واستئناف إنتاج النفط خلال أسبوعين.
ويشير وينتور إلى أن وزير الداخلية المقال، فتحي باشاغا، كان يشكل عنصرا أساسيا في حكومة الوفاق، خاصة طوال العام الذي قبعت فيه العاصمة طرابلس تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي، قبل تدخل الأتراك وانقلاب المعادلة العسكرية على الساحة، موضحا أن باشاغا كانت علاقاته برئيس وزراء حكومة الوفاق فايز السراج تتسم بالتوتر دوما.
ويوضح وينتور أن باشاغا، المعروف بخلفيته الإخوانية، يحظى بدعم على مستوى العلاقات مع بعض العواصم الغربية.
ويقول التقرير إن السراج في محاولة لتعزيز سلطته وتقوية شوكة ميليشياته عيّن وزيرًا جديدًا للدفاع، ورئيسًا جديدًا لأركان الدفاع، والتقى بقادة البلديات المحليين، وأجرى تحقيقًا في الفساد في وزارة الصحة على مدار العامين الماضيين.
ينظر السراج الآن بوضوح إلى باشاغا على أنه تهديد لسلطته ويتبقى أمامه خياران إما إقالته بشكل دائم أو كما تريد الولايات المتحدة، إعادته واستئناف التعاون الصعب بين الطرفين.
ويشكل الاقتتال الداخلي ضربة لتركيا، التي كانت تدعم حكومة الوفاق ماليا وعسكريا مقابل امتيازات ليبية للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط ومشاريع استثمارية.
حفتر وعقيلة
بدورها، دعت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني ويليامز إلى الهدوء وأعربت عن قلقها إزاء تحول الأحداث، بما في ذلك تقارير عن العنف المفرط في قمع الاحتجاجات في طرابلس.
وكانت ويليامز تسعى إلى إحراز تقدم عقب بيان وقف إطلاق النار، الذي تم الاتفاق عليه في 21 أغسطس من قبل السراج ورئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح. وذهبت ويليامز إلى القاهرة لمعرفة المزيد من دعم مصر لخطة صالح والمستقبل السياسي لرئيس الجيش الليبي خليفة حفتر.
وكان من المقرر أن تكون المرحلة التالية عبارة عن شكل «5 + 5» من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للتركيز فورًا على طرق وقف إطلاق النار وكيفية إيجاد حل فعال منزوع السلاح على طول خط وقف إطلاق النار الفعلي في سرت والجفرة. وينص الاتفاق على عملية تهدئة وخروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.