وأوضح أن بلاده لن تقبل بزعزعة استقرار منطقة شرق المتوسط، كما أن هناك فرصة للتوصل لحل لهذه الأزمة قبل حلول الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وهو الموعد المقرر لبحث القمة الأوروبية فرض عقوبات على تركيا بسبب أنشطتها في شرق المتوسط.
عقوبات أوروبا
وقال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: إنه أبلغ وزير الخارجية التركي شاووش أوغلو شروط الاتحاد لتخفيف التوتر في شرق المتوسط وتجنيب أنقرة الوقوع تحت مقصلة العقوبات الأوروبية.
كما اعتبر أن الخطوات الأحادية، التي تتخذها تركيا شرق المتوسط تزيد من التوتر. وأضاف قائلا: إن موقفنا موحد إزاء الطلب من تركيا وقف أعمالها الأحادية.
كانت فرنسا قد استنكرت «التصعيد» التركي في شرق البحر المتوسط، مؤكدة أنه يقف عقبة أمام بدء الحوار.
واعتبرت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، أن التوترات الحالية حول التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط مرتبطة بـ«سلوك تركيا الذي يعد تصعيدا».
وبدأت تركيا تدريبات عسكرية جديدة في شرق البحر المتوسط، وسط توترات مع اليونان بشأن الوصول إلى احتياطيات الغاز في هذه المنطقة.
واعتبرت بارلي أن تركيا تعترض على وجود مناطق اقتصادية حصرية، وتشكك في سيادة دولتين من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هما اليونان وقبرص، وربما تعرض للخطر حقا أساسيا هو حرية الملاحة. وشددت الوزيرة الفرنسية على أنه من أجل الحوار يجب التوقف عن التصعيد.
وأضافت: ثمة حق في الملاحة في مياه البحر المتوسط. ولا يجوز الاستيلاء على موارد الطاقة والغاز، خصوصا إذا تم الاعتراف بها وفقا للاتفاقيات الدولية.
وأجرت فرنسا مرتين تدريبات عسكرية مشتركة مع اليونان وقبرص في أغسطس، ما أثار انتقادات شديدة من أنقرة.
ورأت بارلي أن «نهج فرنسا ليس تصعيدا بأي حال من الأحوال. ما فعلناه هو ما نفعله بانتظام، أي أننا نبحر بانتظام في البحر المتوسط، إنه مكان طبيعي بالنسبة الى بلدنا».
واندلع التوتر بين أنقرة وأثينا في أغسطس الماضي، عندما أرسلت تركيا سفينة مسح زلزالي بين قبرص وجزيرة كريت اليونانية، قائلة إنها ستعمل هناك حتى نهاية الشهر، وهي خطوة تسببت في خطر التصعيد إلى مواجهة عسكرية مباشرة.
وتعهدت أثينا بالدفاع عن سيادتها، ودعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى معاقبة تركيا بشأن النزاع، وهو ما تم تأييده من قبلهم وبشكل خاص من فرنسا، التي وضع رئيسها إيمانويل ماكرون خطوطا حمراء لأنقرة لا ينبغي تجاوزها.
وبدأت تركيا مناورة عسكرية جديدة قبالة شمال غرب قبرص، أعلنت أنها سوف تتواصل على مدى الأسبوعين المقبلين، وسط تصاعد التوتر مع اليونان بشأن خلافات حول حقوق التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط.
رفض الأتراك
وكشف مسح أجرته شركة استطلاعات الرأي متروبول، أن غالبية الأتراك يريدون حلا دبلوماسيا للنزاع شرق المتوسط مع اليونان، باعتباره الخيار الوحيد لحل الأزمة وتفادي الحرب. ومن بين الذين شملهم الاستطلاع، اختار 60 % حلا سلميا للنزاع الإقليمي بين تركيا واليونان، بينما قال 31 % إنه يتعين على أنقرة اللجوء إلى القوة العسكرية إذا لزم الأمر.
وقال ما مجموعه 9% ممن شملهم الاستطلاع بواسطة متروبول (ومقرها أنقرة) إنهم ليست لديهم إجابة عن كيفية حل النزاع.
وتطالب أنقرة وأثينا بمناطق بحرية في شرق البحر المتوسط، بحجة أنها تنتمي إلى الملكية القارية لكل منهما.
وكانت النسبة الأكبر من مؤيدي الحل العسكري من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم (40.5 %)، و50 % من مؤيدي حزب الحركة القومية اليميني المتطرف حليف أردوغان الأصغر في البرلمان، الذي قال رئيسه دولت بهجلي إن اليونان عبارة عن «ورم خبيث» يزعج تركيا منذ عام 1821، ويجب اجتثاثه مهما كلف الأمر.
وشكل ناخبو حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد أدنى نسبة دعم للحل العسكري بنسبة 8% فقط، يليهم حزب الشعب الجمهوري العلماني، أكبر أحزاب المعارضة التركية، بنسبة 20.9 %.
وكان الرئيس التركي أردوغان، قد وصف المسؤولين في اليونان وفرنسا، بأنهم جشعون ويفتقرون إلى الكفاءة، كما شدد نائبه فؤاد أوقطاي على أن بلاده لن تتنازل عن أي متر مربع في منطقة المتوسط مهما كلف الثمن، مشددا على أن تركيا سوف تحمي حقوقها.
واعتبر مراقبون سياسيون، تصريحات المسؤولين الأتراك الأخيرة لليونان بمثابة إعلان حرب، غير مستبعدين إطلاق أردوغان الشرارة الأولى لمعركة يتوقعون أن يتم احتواؤها بسرعة من قبل تركيا نفسها نظرا لعدم استعدادها للمجازفة أبعد من ذلك، لاسيما أن الغاية الأساسية لإثارة التوتر هو استقطاب التأييد الداخلي لكل من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية.
ويرى مراقبون، أن أردوغان لا يعي اليوم، أن حربه القادمة لن تكون مع دول منهكة عسكريا واقتصاديا بفعل الاضطرابات الداخلية، كما اعتاد من قبل، وإنما مع اليونان كقوة عسكرية ملحوظة تساندها العديد من دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها فرنسا.
وبدأ الاهتمام بمنطقة شرق المتوسط باعتبارها منطقة غنية بالنفط والغاز في أواخر القرن العشرين، ويقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية عام 2010 وجود 3455 مليار متر مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط في هذه المنطقة، تتراوح قيمتها ما بين 700 مليار دولار و3 تريليونات دولار على حسب أسعار الخام المتغيرة.
وبخلاف الثروة الطبيعية تمثل هذه المنطقة أبرز نقاط عبور البترول والغاز من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، إذ إنها تطل على ثلاث قارات.
ووقّعت قبرص اتفاقيات منطقة اقتصادية مع لبنان ومصر، كما وقّعت صفقات مع شركات الطاقة العملاقة «إيني وتوتال وإكسون موبيل» لإجراء أعمال الحفر للحفاظ على حقوقها في هذه الثروة دون تدخل من تركيا.
وتحتج تركيا أيضا على حدود المنطقة الاقتصادية المصرية المطلة على المياه القبرصية، وهو ما رفضته القاهرة باعتباره «تدخلا في شؤونها السيادية».
ووقّعت مصر واليونان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما مطلع الشهر الماضي، ما يقطع الطريق على الآمال التركية في غاز المتوسط ونفطه.