زُهد الإنسان بخامته يعني أحد أمرين: الأول: لم يقتنع بشخصيته التي حباه الله إياها فبالتالي لا يثق بها وهذا فيه تجريح للذات، الثاني: لديه ظن خاطئ أن المحاكاة تصنع الشخصية التي يحلم بها. وكلا الأمرين بحاجة إلى تبديد وتصحيح، فعدم قناعة الإنسان بشخصيته منبعها ودافعها هو المقارنة السلبية التي تجعله يرى الآخرين أفضل منه في كل شيء، وقد تكون تلك المقارنة ظالمة وجائرة، ولو أنه تخلى عن المقارنة لارتاح واطمأن واهتم بنفسه وارتقى بها، وظنه بأن المحاكاة تصنع الشخصية فهذا محال، إلا إذا كانت محاكاة المبادئ والفكر لا محاكاة الملبس والهيئة أو الأسلوب.
انتشار هذا الخطأ غالبا ما نشاهده في البيئات الوظيفية، وقد تختلف وتتنوع الدوافع والأسباب، فهناك من يتقمص شخصية (المدير أو معزبه) ويراها ذكاء اجتماعيا يصل بها إلى رضاه، ولو لم يكن مقتنعا هو نفسه، وقد رأيت أشخاصا تعاقب عليهم أكثر من مدير، وفي كل مرة تتغير شخصياتهم وهندامهم ليكونوا نسخة طبق الأصل للمدير الجديد، وهناك من يحاكي زميلا له تميز بشخصية قوية في بيئة العمل ظنا منه بأن استنساخ تلك الخامة سيجعله يتمتع بنفس التميز، ولكن للأسف سرعان ما يفاجئه زملاؤه بتعجبهم واستغرابهم من هذه الشخصية الجديدة، وآخر يحاول أن يتخلى عن خامته لتقليد شخص مشهور أو موهوب لينال نفس الشهرة!. وآخر يستنسخ خامة مديره الذي (فوضه) لإدارة العمل أو كلفه بمهام في العمل فهو يظن أن نجاحه مرهون بذلك الاستنساخ.
التخلي عن الخامة الشخصية، يوقع الإنسان في مشاكل نفسية كثيرة، أولها: الشعور بالنقص لأنه يرى الآخرين أفضل منه في كل شيء، ثانيا: تعميق الكراهية للذات بتخليه عن عفويته وذاته الحقيقية، ثالثا: فشله في تحقيق لذة أن تكون كما أنت، رابعا: زيادة قناعته الخاطئة بأن ما يقوم به هو ذكاء اجتماعي!.
ومع هذا لا نريد أن نخلط بين المثل الأعلى (القدوة) واستنساخ الخامة، فالمثل الأعلى يكون في القيم والمبادئ والأخلاق، يقول الدكتور إبراهيم الفقي -رحمه الله- في كتابه استراتيجيات التفكير: «استراتيجية المثل الأعلى تتعلق بالمعتقدات والقيم كما يحاكي الإنسان النبي صلى الله عليه وسلم لو كان مكانه كيف سيتصرف في هذا الموقف؟»، أما الاستنساخ فغالبا ما يكون في التصرفات والهيئات يقول كارنيجي: «إنك شيء فريد في هذا العالم، إنك نسيج وحدك». فلماذا تزهد بخامتك؟
[email protected]