لضمان تكوين أسرة سعيدة على أسس صحية سليمة تم إقرار فحص ما قبل الزواج منذ سنوات عديدة للحد من انتشار الأمراض الوراثية، والتأكد من انخفاض احتمالية المشاكل الصحية المصاحبة للأسرة في المستقبل عندما تبدأ بالتكاثر، ولكننا على الرغم من تنفيذ القرار نشهد العديد من المنغصات والمعوقات في داخل أروقة بعض البيوت، مما يجعلنا ندرك أن فحص ما قبل الزواج ليس بالإجراء الوحيد الذي يضمن نجاح هذه المنظومة بغض النظر عن أهميته الصحية التي لا مجال للتشكيك فيها أو العبث في فاعليتها، ولكنها قد تحتاج لإجراء آخر مساند يخفف من حالات الاحتقان التي وصلت إلى أروقة المحاكم.
للعامل النفسي دور هام في بناء الشخصية وركن جوهري في خلق بيئة محيطة متوازنة إن كان صاحبها يتمتع بصحة نفسية جيدة، والعكس صحيح عندما يفقد اللياقة النفسية التي قد تأخذه إلى دهاليز الصراع الداخلي ومن ثم تلفظ بما يكن في أعماقه إلى ميادين النفور الأسري والمجتمعي وهنا تبدأ المشكلة، وبما أننا نعيش فترة ذهبية من التقدم في شتى مناحي الحياة فمن المهم أن نجعل ضرورة الفحص النفسي قبل الزواج من الأولويات الحضارية والضروريات الملحة لضمان إنشاء أسر تتمتع بالاستقرار النفسي، وترفع من مؤشرات انتشار أهمية الثقافة الصحية النفسية في المجتمعات العربية التي باتت فيها نسب الطلاق في ازدياد مستمر مما يجعلنا في منحنى خطير قد يعطل عمل تلك المنظومة بالشكل الذي يجب.
يعتقد البعض أن فكرة الفحص النفسي قبل الزواج قد تتعارض مع العادات والتقاليد أو تخدش حياء بعض الموروثات التي عاث بها الزمن ولم تعد تجدي نفعا، وهناك من يعتقد بأنها قد تهتك عرض كرامته وتستفرد بخصوصياته التي لا يرغب بأن يطلع عليها أحد، عوضا عمن يستهجن فكرة أن يكون مصابا بمرض نفسي ما وكأنه منزه عن ذلك !، ولو ألقينا نظرة على صكوك الطلاق وتمعنا في الأسباب لوجدنا أن جزءا كبيرا منها يقبع بين سندان العنف ومطرقة السلوكيات غير السوية، وهذا ما يحتم علينا إعادة النظر في الأمر والضرب على وتر حرص المجتمع على تمكين كل قد يرتقي بالأسرة والأبناء من خلال التأسيس الصحيح «للنواة» أي الأبوين والتأكد من الصحة النفسية جنبا إلى جنب مع الجسدية التي قد تلقي بظلالها على الأسرة فيما بعد.
ومن هذا المنطلق ندعو بعض المؤسسات المجتمعية أن تتبنى هذه الفكرة وتعمل على نشر هذه الثقافة للوصول بها إلى مراكز القيادة، ومن ثم السماح لها بأن تهبط إلى مواطن التنفيذ مع بيان مدى فاعليتها في رأب الصدع الذي بات يحتضن جدران بعض الأسر التي لم تتوصل حتى الآن إلى معرفة السبب الرئيسي في وضعها المتهالك.
11Labanda@