التحدي الذي تواجهه المملكة في استمرار الحياة الطبيعية قدر الإمكان في جميع جوانب الحياة ليس تحدياً خاصاً ببلادنا فقط، بل هو تحد واجهته ومازالت كل دول العالم منذ تم الإعلان عن انتشار وباء كورونا، وقد تفاوتت إجراءات مواجهة هذا الوباء من دولة إلى دولة حسب الظروف والإمكانيات المادية والبشرية ودرجة انتشار الوباء، وهكذا بدءاً من الإغلاق الكامل وإيقاف الأنشطة اليومية حتى الضروري منها في بداية الجائحة بما في ذلك وقف الأنشطة الاقتصادية ومؤسسات التعليم العام والعالي، حتى أدق تفاصيل الحياة اليومية وصولاً إلى حظر التجول والانتقال بين المدن والمحافظات والمناطق بل حتى داخل الحي الواحد، وهو أمر لا يمكن أن يستمر العمل به طويلاً في ضوء استمرار الجائحة لما فيه من آثار سلبية بالغة الخطورة على الحياة والاقتصاد والتعليم وتقديم الخدمات، وكذلك الأضرار الاجتماعية والأمنية التي لا تقل آثارها السلبية عن آثار الجائحة نفسها، ولذلك فقد رأينا معظم دول العالم إن لم تكن جميعها تحاول إيجاد البديل العملي الذي يحافظ على صحة الناس، وفي نفس الوقت يسمح باستمرار الحياة سواء في الأنشطة الاقتصادية والتعليمية أو حتى الاجتماعية أيضاً. وقد كانت تجربة بلادنا في هذا المجال تجربة ناجحة بكل المقاييس والحمد لله، تؤكد ذلك العديد من الشواهد أهمها: الانحسار الكبير في عدد الإصابات بكورونا من حوالي خمسة آلاف إصابة يوميًا إلى حوالي سبعمائة إصابة فقط في الأيام الماضية، إضافة إلى الزيادة المطردة في أعداد المتعافين والحمد لله، وكذلك العودة التدريجية لانتظام الأعمال في القطاعين العام والخاص وصولاً إلى دوام كامل موظفي القطاع العام ونسبة كبيرة من موظفي القطاع الخاص وبشكل تدريجي لم يؤد إلى أية زيادة في أعداد المصابين، وكذلك السماح جزئياً بعودة الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية بشكل مدروس وبالحدود التي تحقق الإجراءات الاحترازية للوقاية من الجائحة، أما القرارات المتعلقة بالجوانب الاقتصادية وأجور الموظفين والعمال مواطنين ومقيمين وما رافق ذلك من التزامات مالية كبيرة تحملتها الدولة زادت عن مائتي مليار ريال حتى الآن، كل هذه الإجراءات كان لها الأثر الكبير في التعافي النسبي الذي وصلت إليه بلادنا والحمد لله. وقد كانت الإجراءات التي اتخذتها وزارة التعليم السعودية في مواجهة الكورونا والاستجابة السريعة لاحتياجات مرحلة كورونا، والحرص على استمرار الدراسة إجراءات تستحق التقدير بما حققته من نتائج استفادت من عدة فرص هيأت لها هذا النجاح أولها: الرعاية الكريمة التي يوليها ولاة الأمر للتعليم الذي يضعونه دائماً في مقدمة اهتماماتهم، وقد كان الأمر كذلك في ظل ظروف الوباء بل أكثر رعاية واهتماماً، كما أن القيادات التربوية في الوزارة بدءاً من الوزير وحتى المعلم في المدرسة أثبتوا ليس الكفاءة فقط بل والحرص على القيام بالواجب، كما أن إدارة الأزمة بالطريقة التي اتبعت أثبتت نجاحاً واضحاً من خلال الدمج بين أساليب مواجهة الظرف الطارئ في دول العالم، كما أن سرعة التحولات الالكترونية والاستجابة لها من قبل المعلمين والطلاب كانت أكثر من المتوقع والحمد لله، وقد عززها وساهم في سرعة الاستفادة منها التوجه الجاد الذي بدأ قبل الجائحة بسنوات من قبل المؤسسات التعليمية في التعليم العام والجامعي نحو استخدام التقنية في التعليم، وكذلك سرعة استجابة الأسرة التي زادت عليها الأعباء في العملية التعليمية وإن كانت تتحمل مسؤوليتها حتى في الظروف العادية، بل ربما كانت الظروف الطارئة سبباً في تسريع عملية التحول الإلكتروني في التعليم وصولاً إلى الفصول الذكية والمدرسة الإلكترونية وهي تحديات لابد منها، وكانت موجودة وتتزايد أهميتها حتى قبل الجائحة، ولذلك فإن تجربة التعلم عن بعد وخاصةً في جانب توظيف التقنية في التعليم هو توجه ينبغي أن يستمر ويتعزز حتى بعد زوال الجائحة وآثارها -إن شاء الله-، وهذا ما أكده معالي الوزير في تصريحه يوم الخميس الماضي، بل هو ما تقتضيه التحولات العالمية أيضاً. ومع ذلك كله فإن دور المعلم يظل الدور الأهم في جميع الأحوال، وينبغي أن يظل محل اهتمامنا من خلال اختيار المعلمين والقادة التربويين وفق معايير محددة ومقننة، وكذلك التوسع في برامج التدريب خاصةً على المهارات التي يتطلبها التعلم عن بعد والتعلم الإلكتروني بشكل عام.
@Fahad_otaish