فأول العمل إخلاص وسعي فيما يرضي الله، بعده علم وعمل وفق شرع الله، ثم يراقب نفسه في كل لحظة من لحظات الحياة، فيقف عند نهاية كل مرحلة، لينظر هل عمل صالحا أم لا؟ هل أراد به وجه الله أم لا؟ هل أصلح معاشه ومعاده أم لا؟ هل أخلص النية أم لا؟ هل تعلم فأحسن التعلم وعمل فأحسن العمل وفتش في قلبه فلم يجد فيه إلا ربه أم لا؟
فإذا قام العبد بذلك كان مستخلفا حقا عن الله، فحقت له وراثة أرضه، قال تعالي: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون * إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين) (الأنبياء: 105،106).
ويقرن الله في كتابه الكريم بين الإيمان به عقيدة واقتناعا وبين العمل الصالح سعيا واجتهادا، فمن آمن ولم يعمل كان إيمانه منقوصا، ومن عمل ولم يؤمن، كان عمله نفاقا، فلا بد أولا أن يؤمن بمولاه، وأن يتقن كل عمل يعمله، فإذا اتقن العمل قصد به وجه الله، فإذا قصر في شيء جاء ربه الكريم فتلافى هذا التقصير، ومن عليه ببركات تستوعب ما قصر فيه، وكفاه هذا العمل وإن قل عن عمل كثير لا نية فيه لله.
فإذا أردنا أن نصلح أنفسنا، فلا بد لنا من الرجوع إلى ربنا، لأنه هو الرقيب على كل حركة نتحركها، وكل لفظ نتلفظه، يقول عز وجل: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (التوبة: 105).
وهذا سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يقول: «لا يغرنكم من رجل كثرة تلاوته للقرآن، فإنما القرآن كلام نتكلمه، فانظروا إلى عمله، فإن وافق القرآن فهو من أهل القرآن، وإن خالف القرآن، فما قرأ القرآن إلا باللسان» فليس عبرة هذه الحياة أقوال نقولها، وإنما أفعال تؤثر في بنية الإنسان في حياته.
يقف الصحابة مع الحبيب صلى الله عليه وسلم، فيمر عليهم شاب، يرى الصحابة من جلده وقوته، فيقولون ما أحسنه وأجلده لو كان في سبيل الله، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يصوب كلامهم، ويقول عن هذا الشاب: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، المجلد الرابع، كتاب النكاح، باب النفقات.
فليس سبيل الله رفعا للسلاح وفقط، وإنما الفلاح سلاحه محراثه، والعامل سلاحه آلته، والمهندس سلاحه معدته، والطبيب سلاحه معمله ومختبره، وكذلك كل إنسان سلاحه ما يعمل به، فكل عامل يؤدي مهنته طاعة لله، ويريد بذلك وجه الله، فيكتب من الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين استجاب لهم ربهم: (أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) (آل عمران: 195).
فأفضل الأعمال ما عم نفعه، وعلى قدر ما يكون من نفع، يكون لك من الله رضا، فإذا جئت في المساء فوضعت رأسك على وسادتك مرهقا من عملك، فأبشر بقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له) فتح الباري، شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، المجلد الرابع، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده.
إن الأمم إنما تبنى بالسواعد الفتية، وبالقلوب النقية، وبالأفئدة التقية، وبالعقول الذكية، فإذا أردت أن تبني أمة، فأعد لها عقلا ذكيا، وبدنا فتيا، وقلبا نقيا، ونية خالصة لله، ودع لربك تدبير الأرزاق مصداقا لقوله سبحانه: (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم) (العنكبوت: 60).
أد ما عليك ودع الأرزاق لله، فإن الذي يدبر الأمر هو الله، فالله طلب منا سعيا وتكفل لنا بالأرزاق، وطلب منا عملا وتكفل بالجزاء، فالعمل الصالح يرضي عنك الله، وتعمر به الدنيا، ويرفع به شأن بلادنا، ونسعد به أهلنا.
اللهم اختم لنا بعمل صالح يرضيك عنا يا رب العالمين. اللهم آمين..
[email protected]