إعادة مناقشة تخفيض ساعات العمل

تغيرت الحياة العملية بشكل كبير في جميع أنحاء العالم؛ بسبب أزمة فيروس كورونا، واتجه قطاع الأعمال لتطبيق عدة تدابير لمواجهة الأزمة؛ لضمان تقديم خدماتهم بأعلى طاقة تشغيلية ممكنة، واكتشفت الكثير من القطاعات في مختلف أنحاء العالم أن بإمكانها مواصلة العمل في العديد من المهام الرئيسية والثانوية دون الحاجة لتواجد الموظفين في أماكن العمل والمكاتب، وأيضاً من خلال ساعات عمل أقل من الساعات المعتادة.
في الفترة السابقة كان التركيز والحديث على مكان إنجاز العمل بشكل أكبر من التركيز على عدد ساعات العمل، وكوجهة نظر شخصية أرى أن الوقت الحالي هو الوقت الأنسب لإعادة مناقشة توجه تخفيض ساعات العمل في نظام العمل السعودي، والذي تأخرنا في تعديله كأحد التحسينات المهمة في سوق العمل، مع العلم بأن العديد من منشآت القطاع الخاص داخل المملكة طبقته منذ سنوات عديدة، ولن يضيع ملاكها وقتهم في أعذار عند التوجه لإقراره.
تخفيض ساعات العمل سيصاحبه إيجابيات وسلبيات كأي توجه على سوق العمل، ومن أبرز إيجابياته أن القرار سيزيد من تشجيع دخول المواطنين لسوق العمل في القطاع الخاص ويزيد من نسبة التوطين وارتفاع معدلات السعودة في العديد من القطاعات، ومن إطلاع على سوق العمل فسينعكس ذلك إيجاباً على إنتاجية الموظفين وليس كما يتخيل البعض، وإثباتا لذلك نتائج العديد من الدراسات التي أثبتت انعكاس تخفيض ساعات العمل بالشكل الإيجابي على إنتاجية العاملين بالمنشآت ومهاراتهم.
من جانب آخر، نجد أن أكثر المتضررين من تخفيض ساعات العمل هي القطاعات التي تعتمد على العمالة في الوظائف المتدنية والقابلة للعمل لساعات إضافية حسب نظام العمل كقطاع الإنشاءات والمقاولات والنقل والصيانة والتشغيل والتجزئة بشكل عام، وبالرجوع لنظام العمل الحالي نجد أن الحد الأعلى لساعات العمل هو 48 ساعة في الأسبوع، أي أن بالإمكان تحديد ساعات عمل أقل للموظفين وليس الأمر إجبارياً، ولو فرضنا أن هناك تخفيضا تدريجيا لساعات العمل أسبوعياً فيعني ذلك أن تكلفة ساعة عمل العامل في تلك القطاعات سترتفع وسيصاحبها ارتفاع أيضاً لتكلفة ساعات العمل الإضافية، والتي قد تحتاجها تلك المنشآت لتغطية أوقات العمل، وبنفس الوقت ارتفاع تكلفة الأجر ستؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، وناتج ذلك سينعكس على ارتفاع أسعار السلع والخدمات مما ينتج من ذلك مطالبات من العاملين لزيادة أجورهم بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، وسيؤثر ذلك على العديد من ميزانية الشركات وقدرتها على التوسع.
كوجهة نظر شخصية، أرى أن القطاع الخاص بالمملكة مر بمرحلة تجريبية كافية لتخفيض ساعات العمل والعمل عن بعد في العديد من الوظائف والمهام، وذلك خلال فترة أزمة كورونا، وأعتقد أن نسبة نجاح تلك التجربة كانت حاضرة ومميزة في العديد من القطاعات، ولذلك أرى أن الوقت الحالي يعتبر من أنسب الأوقات لإعادة مناقشة تخفيض ساعات العمل بشكل تدريجي لموظفي القطاع الخاص خاصة مع تطبيق مبادرة العمل المرن، فسوق العمل يحتاج لمثل تلك التوجهات حتى يكون جاذبا بشكل أكبر لدخول مشتغلين سعوديين في مختلف القطاعات.
ختاما.. زيادة الإنتاجية هي مسؤولية أصحاب الأعمال بالمقام الأول وليس العامل نفسه، ومن المؤسف أن نجد هذه الحجة مرتبطة بشكل دائم مع هذا التوجه كلما تم مناقشته، والخلاصة فيما أريد إيصاله هو إعادة مناقشة هذا التوجه بما أننا مررنا بتجربة واقعية له في هذه السنة مع تأييدي لتطبيق هذا التوجه.
Khaled_Bn_Moh @