وفي منتصف الثمانينيات قدم الفنان محمد عبده أغنيته الشهيرة «فوق هام السحب»، من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن الذي لم يعقد آمالا كثيرة على نجاحها، واعتبرها مجرد نص وطني كتبه ولحنه سراج عمر، ولكنها غنت في افتتاح استاد الملك فهد الرياضي، ولاقت نجاحها باهرا استمر 3 عقود، وما زالت تذاع ويحتفل بها السعوديون في كل مناسبة، كونها تثير مشاعرهم الوطنية، وطلب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان من «البدر» أن تكون حاضرة في كل أمسية له.
تبقى الأبهة في الجمال والكمال الفني لأغنية «يا بلادي واصلي»، فتأليفها لم يستغرق 28 ساعة، قصتها بدأت على متن رحلة طيران بين جدة والقاهرة، حين طلب وزير الإعلام - حينذاك - محمد عبده يماني من الفنان الكبير أبو بكر سالم إعداد أغنية وطنية؛ بمناسبة حدث إسلامي سيعقد في مكة، وهو القمة الإسلامية، داعيا إياه إلى تقديم عمل فني في تلك المناسبة، فخرجت رائعة من روائع أغانيه وكانت «يا بلادي واصلي»، وهي من أهم النصوص الشعرية التي كتبها ولحنها أبو بكر سالم.
حتى اليوم نرى القنوات والإذاعات تبث أغنية «وطني الحبيب» تأكيدا لمعانيها الوطنية الراسخة في أذهان السعوديين، وأطلقت عام 1381، وتميزت بلحنها العاطفي، فعاشت في وجدان الشعب على مر السنين، وحفرت في أعماق السعوديين على مر أجيالهم منذ أذيعت في الستينيات الميلادية بصوت الأرض الراحل الكبير طلال مداح، واعتبرت أول أغنية وطنية يتم إذاعتها محليا، لأن الاذاعة لم تكن تبث قبلها سوى الأناشيد والابتهالات، لكنها لا تزال حائرة النسب بين الفنانين حسن دردير ومصطفى بليلة المهندس، وأعيد تسجيلها قبل وفاته بسنوات.
وعن الأغنية الوطنية ودورها في تعزيز مفاهيم الانتماء والمواطنة، قال الشاعر د. سامي الجمعان: تلعب الفنون عموما دورها القيادي الكبير في تشكيل وعي المتلقي، ورفع ذائقته، وتسهم بلا أدنى شك في تعزيز مفهوم الانتماء، وتكريس الهوية، ورفع قيمة المواطنة، والأغنية الوطنية خاصة تلعب هذا الدور بامتياز من خلال ما يصيغه الشعراء من معانٍ وأفكار تردد على ألسنة الناس، ولو أردنا أن نقيس مستوى هذا الدور فلنا أن نقيسه على مستوى التلقي الطفولي الذي يكون أكثر قدرة على الحفظ والترديد، ومثلهم جيل الشباب، ولا شك أن من ينكر هذا الدور فهو ينكر عاملا مهما للغاية في تعزيز مفاهيم حب الوطن، وتكريس معاني الفخر والاعتزاز به وبقيادته.